تأتيك تلك الأحيان، التي تشعر فيها بالضيق واللا جدوى، حين تكبر الأسئلة فجأة، لماذا نكتب، معنى أن نكتب، لمن، في لحظات تتردد هذه الـ "لمن"، تشعر أن الحياة تسخر منك، ليس فقط منك، هي تسخر من كل شيء جاد، تسخر من نفسها حتى، وإلا كيف يمكن أن تبرر كل ما يحدث، تعجز عن التبرير فتسخر، وتحاول أن تعود إلى قوقعتك، عزلتك، تحتمي بها، وتنظر من خلف ستار، بعين مزمومة، إلى ماذا تحديدا، كل الأمور ضباب، وأنت لا تفهم، لا تفهم ما تراه، لا يستوعبه عقلك، تسدل الستار، وتريد أن تضحك، كما هي عادتك حين يصيبك الحنق، أو الارتباك، أو حتى الحزن، لكنك هذه المرة لا تستطيع، عدم الفهم يمنعك من الضحك، تريد أن تفهم أولا ثم تضحك.

كم مرة سئلت، لماذا تكتب، وفي كل مرة تجيب إجابة مختلفة، لأنك أنت لا تعرف تماما لماذا تكتب، ليست الكتابة مهنتك، لم تكن يوما مصدر دخلك، احتميت دوما بوظيفتك، وظيفتك التي تأخذ كل وقتك، لكنك كنت تمنح الكتابة وقتا، تنتزعه من حياتك، وتكتب، في أحلك الأوقات كنت تكتب، كانت الكتابة مهربا، ملاذا، علاجا، وماذا أيضا، نارك وجنتك، ربما، لذلك، حين يحاول أحد أن يقلل من شأنها، أن يجعلها لعبة أو وسيلة أو أن يسخر منها، أن يهز قيمتها، تخاف، تشعر أنه يهز الكيان الذي يعني لك كل شيء، ولأنك لا تعرف لماذا يفعل أحد ذلك، فأنت تصرخ أولا، فزعا، وألما، لكنك في النهاية تعود وتنظر إلى ما يحدث حولك في الحياة، وتفهم، أنها هكذا هي الحياة، هذا هو قانونها في الواقع، عدم الخضوع لقانون، لذلك مع العودة للعزلة، تقرر أن ترفع شعار المجد للتفاهة، التفاهة التي يتحدث عنها كونديرا، يقول على لسان إحدى شخصيات روايته حفلة التفاهة التفاهة يا صديقي هي جوهر الوجود. إنها معنا على الدوام وفي كل مكان. إنها حاضرة حتى في المكان الذي لا يرغب أحد برؤيتها فيه.

ليس تماما، أو ليس حقيقيا أنك ترفع هذا الشعار، أنت لا تؤمن بالشعارات أساسا، أنت تريد أن تحتمي بمفهوم ما، يجعلك قادرا على تقبل ما يحدث في هذه الحياة السخيفة، تحاول أن تعيد لروحك، روح الدعابة الذي تعرفه عن نفسك. أن تستقبل الأشياء بلا مبالاة، أن لا تدع شيئا يهزك من الأعماق، لأنك في كل مرة تستسلم فيها لحدث يهز أعماقك، تعرف أنك الخاسر الوحيد، وأن لا أحد يهتم.