العجيب أن الاختلاف بين كل العرقيات في الجينيوم البشري، لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، ربعًا في المئة، وفي هذه الأيام أصبحت الثقافات والاقتصادات والتهديدات متجانسة بدرجة عالية، ما يعزز فكرة ما يعرف بـ(الآيديولوجيا المشتركة) أو الـ(هيومانيزم)، خصوصًا أنه قد تأكد علمياً أن الفروقات في السمات الجسدية وألوان البشرة بين الناس تعود بالدرجة الأولى إلى المناخ والتضاريس..

أميركا تعتبر من أكثر الدول عنصرية في العالم، وبالأخص ولاياتها الغربية والجنوبية، كأريزونا وميزوري والمسيسبي، والعنصرية فيها تكون ضد الآسيويين والأفارقة ومواطني أميركا اللاتينية، وبالتأكيد الهنود الحمر سكانها الأصليون، وهؤلاء وصفهم كريستوفر كولمبوس بـ(آكلي لحوم البشر) حتى يبرر قتلهم، والبرت اينشتاين، صاحب نظرية النسبية، كانت لديه أفكار عنصرية، وثقت كتابيا في 1923، وقد تعرض فيها لأهل الصين وسيرلانكا، والأمر لا يرتبط باللون أو العرق دائماً، فعنصرية الناس في بريطانيا، مثلاً، تطال عرقيات بيضاء وغربية، كالفرنسيين والأميركان والبلغار والقوقاز، ولعل الهنود يمثلون الاستثناء الأبرز في المعادلة السابقة، والمسألة مرتبطة بحروبها القديمة وتاريخها الاستعماري، وهناك نكات بريطانية خاصة بهم، والكلام عن المجتمع البريطاني العادي وليس السياسيين، وفي جنوب أفريقيا، انقلب المشهد بعد الأبارتيد، وأصبحت العنصرية تمارس من السود ضد الأقلية البيضاء، ومعها عنصرية الإنسان الحالي ضد إنسان (نياندرتال)، ولدرجة أنه إبادة تماماً، قبل 300 ألف عام، والعنصرية بدأها إبليس مع آدم عليه السلام، عندما قال إنه افضل في تكوينه ورفض السجود، ما يجعله أبو العنصريين الأول.

أول نظام اجتماعي وقانوني شرعن للعنصرية، هو قانون (حمورابي) البابلي، الذي كان يتسامح مع أبناء الوجهاء وأصحاب الثروة، بصرف النظر عن الجرائم التي يرتكبونها، وينفذ عقوباته بصرامة على أبناء الطبقات الأقل درجة، وجاءت بعد ذلك (العنصرية الأممية)، التي تضع الأمة اليونانية في مرتبة أعلى من غيرها، وبحسب أرسطو، فإن الجنس البشري ينقسم إلى قسمين، الأول يشمل اليونانيين أصحاب العقل والإرادة، والثاني يندرج تحته كل ما هو غير يوناني ويسمونهم بالبرابرة، الذين لا يمتلكون إلا القوة الجسمانية وحدها، ويوجد تصنيف طبقي لإفلاطون في مدينته الفاضلة، يأتي في مقدمته طبقة الحكام الحكماء والفلاسفة، ومن ثم طبقة المحاربين، وطبقة أصحاب المهن اليدوية والمزارعين، والطبقة الأخيرة، في رأيه، لا تستطيع التحكم في غرائزها ورغباتها، ويجب أن تتدخل الطبقات العليا لضبطها وتهذيبها، وكلها كانت من العبيد والأمم غير اليونانية.

الدكتور بنجامين روش، الذي يعتبر من الآباء المؤسسين لأميركا، كان يدرس طلابه في كلية الطب، أن البشرة السوداء عبارة عن مرض جلدي وراثي، وسماه (نيغروديزم)، ونصح بعدم الزواج بين البيض والسود، لمنع توريث المرض، والفيلسوف العربي الجاحظ حمل الشمس مسؤولية سواد البشرة، وقال إن الابتعاد عنها سيجعل البشرة بيضاء، والمسألة ليست بهذه البساطة، ولكنه خطأ تحليلي تبرره بيئة الجاحظ وتجاربه الشخصية، والعنصرية في ألمانيا لم تبدأ مع نازية ادولف هتلر، وقيامه بعمليات القتل الرحيم والتعقيم الإجباري، لأنها كانت موجودة قبله بـ30عاماً، فألمانيا القيصرية، ارتكبت إبادة جماعية لـ75% من شعب (الهيريرو) في نامبيا، خلال ثلاثة أعوام، أو ما بين عامي 1904 و1907، والصحيح أن هتلر مثل التجسيد العملي الأشهر لعنصرية العالم الغربي.

حتى الأديب الأميركي مارك توين، لم يكن متصالحا مع الهنود الحمر، وكان يعتبر أن الوسيلة الوحيدة لإقناعهم بسيادة الرجل الأبيض عليهم هو أن يتم ذبحهم بالكامل، أو استخدام سياسة التعليم والصابون معهم، لاعتقاده أن تعليم الهندي الأحمر وغسله بالصابون سيقضي عليه وينسف كيانه، واقتراح توين تطور مع الوقت، فقد خرج بوستر إعلاني لصابون (دوف) عام 1935، يمجد في تركيبته الاستثنائية، ويقول إنها قادرة على تحويل السود إلى بيض، والمحتوى ذاته أعيد إنتاجه في 2017، باختلافات بسيطة، والأصعب أن الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم، أستاذ فلسفة التشكيك، ألف كتابا في 1754 عنوانه (السمات القومية)، وكشف فيه أن الزنوج إجمالا، ومعهم بقية الأجناس الملونة، أدنى طبيعياً من البيض، ودليله أن أصحاب الأعراق البيضاء، تفردوا بالحضارة والفنون والعلوم، وفاته ربما أنه في عصور الظلام الأوروبية، كان الملونون أو المسلمون تحديداً يحتكرون العلم والمعرفة والحضارة.

المجتمع السعودي لا يقف خارج هذه الدائرة، وتوجد ثنائيات عنصرية فيه، من نوع ثنائية القبلي والحضري، والقبيلي والخضيري، والمدني والقروي، والهلالي والنصراوي، والجاهل والمتعلم، والميسور ومحدود الدخل، والسمين والنحيل، والسابق تم ضبطه على السوشال ميديا، في المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي، وعقوباته تصل إلى السجن لخمسة أعوام، وغرامة قدرها 500 الف ريال، أو حوالي 134 ألف دولار، ومعها عنصريات أممية، كالطائفية الدينية، المؤمن والكافر، وعنصرية عرب الشمال والجنوب، وكلها تحاول الانتصار لنفسها، وإثبات أنها متفوقة على الآخر المختلف عنها.

العجيب أن الاختلاف بين كل العرقيات في الجينيوم البشري، لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، ربعا في المئة، وفي هذه الأيام أصبحت الثقافات والاقتصادات والتهديدات متجانسة بدرجة عالية، ما يعزز فكرة ما يعرف بـ(الآيديولوجيا المشتركة) أو الـ(هيومانيزم)، خصوصا أنه قد تأكد علمياً أن الفروقات في السمات الجسدية وألوان البشرة بين الناس تعود بالدرجة الأولى إلى المناخ والتضاريس، وآمل ألا يتعنصر أحدهم ضدي، ويخرجني من الملة.