يمثل الاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ94 فرصة للتأمل في الشراكة الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، والتي بدأت بعد فترة وجيزة من توحيد المملكة في عام 1932م مع توقيع أول اتفاقية دبلوماسية وقنصلية بين البلدين، وعلى مدى العقود الماضية، شهدت هذه الشراكة تطورًا ملحوظًا لتصبح علاقة استراتيجية تمتد إلى ما هو أبعد من تركيزها الأولي الذي اقتصر على الطاقة والأمن.

علاقاتنا الثنائية اليوم هي أوسع وأكثر تنوعًا من أي وقت مضى، وتشمل التعاون في مجالات متعددة مثل الأعمال التجارية، والتكنولوجيا، والتعليم، والفنون، والثقافة، والفضاء، والرياضة، وغيرها المزيد، ويُشرفني أن أعمل في المملكة خلال هذه الحقبة التحولية، حيث يُلهمني عمق علاقتنا التي تتوسع باستمرار، ولا شك في أنّ تعاوننا يخلق فرصًا للأميركيين والسعوديين للتعلّم من بعضهم البعض، وبناء مهارات فريدة، وهو ما يدفع عجلة النمو الاقتصادي في كلا البلدين.

المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية هما دولتان رائدتان في مجال الابتكار، فالسعوديون والأميركيون يقدّرون الابتكار وريادة الأعمال ويسعون دائمًا للبقاء في طليعة عالم التكنولوجيا، بدءًا من التشخيص الطبي وحتى الألعاب الإلكترونية، فإن مستقبل الشراكات الأميركية - السعودية في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي يبدو واعداً للغاية، ومع سعي المملكة نحو تطوير اقتصادها، فإن دور الشركات الأميركية التي تعمل مع شركائها السعوديين سيكون محورياً في تقديم الخبرات والابتكار والبنية التحتية التكنولوجية التي ستدعم المملكة في تحقيق طموحاتها. ونتوقع أن تُسهم هذه الشراكات في توفير فرص عمل جديدة وتحقيق إنجازات تعود بالنفع على كلا البلدين.

ويظل التعليم ركيزة أساسية في علاقتنا، حيث يدرس آلاف الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة كل عام، ونتطلع أيضًا إلى استقبال المزيد من الطلاب الأميركيين في المؤسسات الأكاديمية في المملكة، وتشمل التطورات الواعدة، برنامج فولبرايت الجديد الذي يتيح للأميركيين القدوم إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، بالإضافة إلى تعاون جامعة ولاية أريزونا مع وزارة التعليم السعودية لإنشاء جامعة بنظام الدرجات العلمية المزدوجة، مما يعكس عمق الروابط التعليمية بيننا. وتتوسع آفاق تعاوننا أيضًا لتشمل مجالات مثل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والبرامج الشاملة للطلاب الصم، ما يعزز الروابط بين بلدينا بشكل أكبر.

أما في قطاع الفضاء، فقد ازدهرت شراكتنا منذ عام 1985م عندما انضم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان إلى طاقم مكوك الفضاء الأميركي «ديسكفري»، وتمثل اتفاقيتنا الإطارية المُبرمة مؤخرًا بشأن استكشاف الفضاء علامةً فارقةً أخرى في رحلة التزامنا المشترك بالابتكار. معاً، ندفع حدود الممكن، ليس في مجال الفضاء وحسب، بل في جميع القطاعات التي تشملها علاقتنا.

يعكس التنوع في علاقتنا اليوم إدراكنا المتزايد للتنوع الذي تزخر به المملكة العربية السعودية، ولا يقتصر هذا التنوع على ظهور مجالات وقطاعات جديدة، بل يشمل أيضًا التنوع الجغرافي والثقافي المذهل لهذا البلد، من مدينة الرياض الصاخبة إلى منطقة البلد التاريخية في جدة إلى المواقع التاريخية والعجائب في الأحساء وجبل القارة، لقد انبهرت بالتراث الثقافي الغني للمملكة. لقد زرت مناطق مختلفة على طول الساحل الغربي، من تبوك والعلا إلى أبها والطائف وصولاً إلى المدينة المنورة. جمال الطبيعة في المملكة يخطف الأنفاس، إن تحول المملكة إلى وجهة سياحية عالمية تقدّر تراثها الثقافي وتلتزم بالحفاظ عليه يفتح آفاقًا جديدة للشراكات الأميركية-السعودية.

تنعم المملكة العربية السعودية بموارد طبيعية وفيرة وكنوز جغرافية، ولكن خلال فترة وجودي هنا، أدركت أن أعظم ثروة تمتلكها المملكة هي شعبها، كل يوم، يلهمني الأفراد المتميزون الذين أقابلهم في مختلف المجالات، بدءًا من مجال صناعة الأفلام وتطوير ألعاب الفيديو، وحتى أبحاث الفضاء والطاقة المتجددة، إن حيويتهم، وخاصة بين النساء والشباب، ستدفع المملكة إلى الأمام، نحو مستقبل واعد ومزدهر.

اليوم، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية أقوى من أي وقت مضى، وتوطدت بفضل التواصل المستمر بين بلدينا على كافة المستويات، بدءاً من المسؤولين الحكوميين إلى المواطنين العاديين، إن هذه القوة ملموسة في تعاوننا الواسع النطاق في مجالات متعددة مثل الأمن والتجارة والثقافة، وكذلك من خلال جهودنا المشتركة لحل الصراعات الإقليمية في أماكن مثل السودان واليمن وغيرها، أتطلع إلى رؤية علاقتنا الاستراتيجية، القائمة على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، تستمر في النمو والتوسع في السنوات القادمة، يوم وطني سعيد!

*سفير الولايات المتحدة الأميركية

لدى المملكة العربية السعودية