يعرف عشاق القاهرة أن الزمالك تبقى أجمل الأحياء، سحر عجيب يغلفها وينبع منها، وأحد أهم العوامل الجاذبة لها هي الجاليريهات، المعارض الفنية المنتشرة في الحي تجعله قبلة لكل مريد للفن، من هذه المعارض، ضي الزمالك، الذي يشهد حركة فنية مستمرة ومعارض كبيرة ومهمة متتالية، المكان نفسه جميل وملهم، المبنى فيلا قديمة جميلة، لم أسأل بعد عن تاريخها، لكن زيارات كثيرة قادمة للجاليري والزمالك ستمنحني الفرصة للاستمتاع والتعرف أكثر على تاريخ الأماكن ومن ثم الكتابة عنها.

الأحد الماضي تم افتتاح معرض استعادي للفنان محمد عبدالمنعم يحوي مئة لوحة، ومن كلمة استعادي نفهم أنه يحتوي على لوحات تمثل مسيرة الفنان من بداياته حتى اليوم، وهي مسيرة باذخة، كل مرحلة فيها مختلفة ومليئة بالجمال.

لست ناقدة، وانطباعاتي عن المعارض التي أحضرها تعتمد على متابعة المعارض ومشاهدة المتاحف وقراءات في تاريخ الفن التشكيلي، لا تعتمد على تحليل ذهني أو دراسة جادة لفن الألوان، وهناك صديق لا يعترف بآراء من نوع أحببت المعرض الفلاني أو أعجبني الكتاب العلاني، لكن بالنسبة لي، هذا ما أبرع فيه، أريد أن أقول، أحببت فن محمد عبدالمنعم، كله، من بداياته حتى المرحلة الأخيرة، في كل مراحله هناك قوة وثبات في الخطوط، هناك إحساس قوي بالوجوه والأجساد التي يصورها، هناك يد صارمة تعرف ماذا تريد أن تقول، تنتج فنا مرهفا لا تستطيع أن تمر من أمامه بشكل سريع، يحملك فن عبدالمنعم على أن تقف أنت أيضا بثبات أمامه، تتأمله عميقا، تحاول أن تجلو الأسرار وتفهم، هذه الخطوط ماذا تريد أن تقول، لأنها، لو وقفت مدة كافية، تبوح لك بأسرارها.

أعجبتني كل مراحل فنه، لكن المرحلة الأخيرة بالذات، أبهرتني، الطريقة التي يرسم بها الأجساد، كأنها صخور من لحم، لكنها في ذات الوقت، طرية ولينة وأخاذة، والحكايات، الحكايات التي تمتلئ بها اللوحات، حكايات الأسطح والبيوت والقطط والحب والليل والطيور، حكايات تتشابك وتتفكك وتطير، حكايات تخلصت مع الملابس من الكذب، صارت حقيقة عارية، هكذا رأيتها وقرأتها، الملابس تخدع وتغطي، بدونها، يقدم محمد عبدالمنعم البشر أسوياء. صادقين في الحب، في الحلم، حتى في تبادل الحكايات.

أريد أن أقول أيضا، إذا كنتم في القاهرة، اذهبوا للزمالك، تجولوا في معارضها، وعرجوا على ضيها، وتمتعوا بفن باهر، المعرض الاستعادي للفنان الذي أمضى عمره في الفن، في دراسته وممارسته، دكتور الفلسفة في التصوير محمد عبدالمنعم.