كم هو ممتع الحديث عن المكتبات، البحث في تاريخها، زيارتها، التأمل في محرابها.

زرت مكتبة الإسكندرية أخيرا، المكتبة التي تم افتتاحها عام 2002، بالرغم من كثرة زياراتي للقاهرة إلا أن آخر زيارة لي للإسكندرية كانت قبل افتتاح المكتبة بثلاثة أعوام.

إذا زرت الإسكندرية، وعرفت عراقتها، يصبح بديهيا جدا أن تضم مكتبة بهذه الأهمية، المكتبة التي بنيت في عصر بطليموس الأول وازدهرت في عصر بطليموس الثاني أكثر من 200 عام قبل الميلاد، والتي بالرغم من زوالها منذ عصور قديمة لكن بقيت ذكراها كإحدى أهم مكتبات العالم القديم التي نشرت المعرفة وطورت العلم لأكثر من سبعة قرون، وهكذا استمر الحلم بإعادة بنائها منذ قضى عليها الحريق عام 48 قبل الميلاد.

المذهل أن يظل حب الكتب والإيمان بدور المكتبة في بناء الحضارات راسخا حتى يأتي الوقت الذي يتحقق فيه إنشاء المكتبة الحديثة في المكان نفسه.

مكتبة الإسكندرية الحديثة التي تم افتتاحها في العام 2002 ليست فقط ضخمة وتضم العدد الأكبر من الكتب في العالم، حيث تضم 8 ملايين كتاب، لكنها جميلة، ومعلم حضاري يحق للإسكندرية والمصريين أن يتفاخروا به.

كنت أسير في أرجائها مأخوذة بقاعات الاطلاع التي يجلس فيها محبو العلم والمعرفة، متناثرين، مبهورة بالتنظيم والكتب، لكن بالإضافة إلى ذلك، وحيثما وليت وجهك، تجد المنحوتات والفنون موزعة في كل الأنحاء.

لا يمكنك أن تحيط بأسرار المكان في زيارة واحدة، هناك العديد من المتاحف التي يحتاج كل واحد منها إلى زيارة منفردة كي تستطيع استيعاب ما يحتويه.

من أجمل الأقسام، كان القسم الذي يضم رسومات شادي عبدالسلام، الصور المأخوذة من الأفلام التي قام بتصميم ملابسها، مرفقة بالرسومات، تتعرف عن قرب على عبقرية هذا الفنان الخالد، وتشعر أن هذه المكتبة الساحرة هي المكان المناسب لعرض فنه.

هناك أيضا المعرض الدائم للنحات الفنان آدم حنين، حيث العديد من لوحاته التجريدية بالإضافة إلى منحوتات غاية في الرقة والإبداع، أسرتني منحوتة القارئة، والطير الذي يتسامى بالنظر إلى الأعلى، والبومة التي تراقب الليل، كل أعماله تدعو إلى التأمل في فن عجيب يمنحك مع جو المكتبة المحيط بها السكينة والغرق أكثر فأكثر في معاني الكون والجمال.

قسم المخطوطات النادرة، وقسم الصور واللوحات التي تعرفك على تاريخ المدينة، آلات الطباعة القديمة، خزانة أختام محمد علي باشا، قطعة من كسوة الكعبة، والمحمل الشريف، كل هذه مقتطفات أذكرها الآن وأنا أسترجع كل ذلك التاريخ الذي كنت أنظر إليه، وأشعر بالامتنان لمن فكر وخطط ونفذ، لمن أعاد إنشاء المكتبة، لكل الفنانين والمفكرين الذين جعلوا الحلم حقيقة، لكل شخص ساهم في صنع هذه التحفة كي تبقى مزارا لكل عاشق للتاريخ وللكتب وللفن.