تخيل معي السيناريو التالي، بعد سنوات قليلة تقدم لك شركات التكنولوجيا جهازا ترتديه على عنقك أو تضعه مثل النظارة متصل بالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT أو Bard أو غيرهم، وتكون مهمته هي أن يعيش عالمك كما تعيشه، يشاهد ويسمع ويراقب كل ما يمر بكل خلال يومك منذ استيقاظك وحتى خلودك للنوم، تماما مثل عينيك وأذنيك، ويعرف أيضا طريقة تعاطيك مع المواقف وأسلوبك في الرد، يذهب معك للعمل ويعرف جميع المواقف التي تمر بك والطلبات والمهام التي توكل إليك بأدق تفاصيلها، بعد فترة من الزمن يصبح هذا القرين الذكي ظلك الذي لا تستطيع الاستغناء عنه فهو قادر على فتح آفاق لا محدودة لأدائك الوظيفي، ومهامك الحياتية والعائلية عبر مساعدتك على إنهاء المتطلبات ودعم قدرتك على اتخاذ القرارات وحل المشكلات وغيرها. هذا ليس خيالا، بل هو على أعتاب التحقق، فمع الثورة المثيرة والمذهلة التي أحدثتها شركات التقنية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، وتسارع النجاحات، ربما يتحقق هذا السيناريو بشكل أسرع مما نتصور.

قبل عدة أيام كشف أيقونة ريادة الأعمال التقنية إيلون ماسك، عن تنبؤاته في هذا المجال خلال مشاركته في مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض، حيث أشار إلى أن عدد الروبوتات "التي تحاكي البشر" سيتجاوز عدد سكان الأرض بحلول عام 2040، أي على مسافة 15 عاما من الآن تقريبا، حيث سيبلغ عددها آنذاك 10 مليارات روبوت، تعيش معنا في بيوتنا ومكاتبنا وتتنقل حيث نذهب، تسمع وتشاهد وتحلل كل ما نمر به وتساعدنا في أداء مهامنا الجسدية والعقلية.

هذه المعطيات تشير إلى أننا على أعتاب مرحلة ملحمية ومنعطف مفصلي للتاريخ الإنساني سيؤثر على كافة مناحي حياتنا، وربما يفوق في تأثيره منعطفات مشابهة مرت بها الحضارة البشرية؛ مثل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، واكتشاف الكهرباء في القرن التاسع عشر، وتطوير الإنترنت في القرن العشرين، وستكون لهذه المرحلة مزاياها العظيمة التي ستنعكس على حياة البشر ورخائهم، لكنها بكل تأكيد سترمي بظلال ثقيلة ومخيفة على حياتنا أيضا؛ حيث سنعيش حياة أسهل لكنها أكثر تعقيدا، في شعور يصعب وصفه، تماما كما فعلت بنا التقنية مؤخرا، فهل سيجعلنا هذا التطور السريع مستقبلا نتحسر على بساطة الماضي الجميل ونتمنى عودته، كما يفعل معظمنا هذه الأيام؟