تعد استخبارات السوق (Market Intelligence) من الوظائف الأساسية في المنظمات الكبيرة، حيث تهدف إلى مراقبة تحركات ونشاطات كل المنافسين واللاعبين في السوق ومعرفة أسرار نجاحهم ومحاولة تخمين خططهم وقراراتهم وأهدافهم، بغرض الاستعداد لها واتخاذ قرارات استراتيجية وتكتيكية استباقية تدعم موقعها التنافسي.

لكي نتعمق بشكل أفضل دعونا نحدد أولاً ما من هم المنافسون، حيث إنهم المنظمات التي تقدم منتجات أو خدمات مشابهة لتلك التي تقدمها المنظمة، ويتم من خلالها إشباع حاجات نفس المستهلكين عملاء المنظمة وتقدم لهم من خلالها نفس المنفعة وهؤلاء يسمون بالمنافسين التقليدين، أما المنظمات التي تنتج منتجات أو خدمات مختلفة عن التي تنتجها المنظمة ولكن تؤدي نفس المنفعة وتشبع من خلالها نفس الحاجات لدى عملاء المنظمة، فيقصد بهم المنافسون غير التقليدين، فمثلا شركة "كريم" التي تقدم خدمة توصل الأفراد حيث إن المنافس التقليدي لها هي شركة "أوبر"، أما المنافس غير التقليدي لها فهي خدمة "المترو" لأنه يلبي نفس حاجة النقل.

تمر عملية استخبارات السوق بمراحل متعددة، تبدأ بتحديد نوع المعلومات المطلوبة ثم محاولة جمعها بطرق إبداعية، بعد ذلك تحويلها إلى معلومات استخباراتية ذات قيمة وهي أهم مرحلة، حيث يتم تحويل البيانات المتفرقة التي ليس لها قيمة لوحدها (بشكل مستقل) إلى معلومات استخباراتية من خلال مقارنتها وربطها مع معلومات أخرى، بعد ذلك يتم تحليلها وتفسيرها بغرض معرفة نوايا المنافسين وخططهم وما سيفعلونه في المستقبل وليس "ما فعله المنافس في الماضي أو يفعله في الحاضر"، ثم توصيل هذه المعلومات الاستخباراتية إلى المسئولين في المنظمة، وهنا يبرز أهمية الخبرة العملية لدى المسؤولين في كيفية الاستفادة من هذه المعلومات واتخاذ القرارات المناسبة على ضوئها، والتي ربما تصل إلى الإضافة والتعديل على الخطة الإستراتيجية الحالية للمنظمة.

تتمحور البيانات التي يتم جمعها عن المنافسين في حجم الإيرادات لكل منافس ومعدل نموه وربحيته وأهدافه واستراتيجياته السابقة والحالية ونقاط القوة والضعف لديه، كما تتضمن هيكل تكاليفه ولمحة على سلوكه وردود أفعاله السابقة والموقع التنافسي له، أيضا الصورة الذهنية لعلامته التجارية لدى المستهلكين مقارنة بالعلامات التجارية الأخرى المنافسة له، كل هذه المعلومات عن الوضع الحالي للمنافسين، تساعد في استنباط المعلومات الاستخباراتية التي تتمركز حول الخطط المستقبلية لهم، كما في لعبة الشطرنج فمن خلال الوضع الحالي للمنافس نحاول توقع ما الخطوة القادمة له.

وينبغي الانتباه عند تحليل المنافسين أن يتم تقسيمهم إلى مجموعات إستراتيجية، ووضعهم في قوائم وترتيبهم بناء على قدرتهم التنافسية، بحيث تتكون المجموعة الإستراتيجية على عدد من الشركات التي تعمل في نفس الصناعة، وتتبع أيضا استراتيجيات متشابهة موجهة نحو عملاء متشابهين، كما يمكن تصنيفهم بناء على ردود أفعالهم مثل المنافس الكسول أو المتقاعس وهو الذي يكون ردة فعله ضعيفة وبطيئة، أيضا المنافس الانتقائي الذي يرد على بعض المواقف ولا يرد على البعض الآخر، وكذلك المنافس "النمر" الذي تكون ردة فعله قوية وسريعة، وفي الأخير المنافس المراوغ الذي يصعب التنبؤ بنوع وقوة ووقت ردة فعله.

في المقابل يجب على المنظمة حماية معلوماتها الخاصة، حيث يسعى المنافسون أيضاً إلى جمع المعلومات من خلال إدارة استخبارات السوق لديهم، وهنا يظهر دور إدارة أمن المعلومات في الحفاظ على سرية معلومات المنظمة. بالإضافة إلى ذلك ينبغي عدم إغفال جانب مهم في النشاط الاستخباراتي وهو الجانب الأخلاقي بأن يتم الحصول على معلومات المنافسين بطرق قانونية مشروعة.