خمسة عقود وأكثر توهّجت خلالها شمس "الشارقة" ومشروعها التنويري بالعطاء في ظل حاكمها سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الذي يقدّم دومًا أنموذجًا مؤثرًا وفريدًا لقدرة الحاكم "المثقف" على توظيف شغفه المعرفي لمصلحة الثقافة والأمة، ليشكل بذلك رقمًا فارقًا في تاريخ الثقافة العربية، وبصمة إيجابية في سياق المعرفة الإنسانية..

وقع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رئيس مجمع اللغة العربية في الشارقة، النسخة الأخيرة وهي المجلد رقم (127) من أجزاء المعجم التاريخي للغة العربية، معلناً اكتمال هذا المشروع العربي الكبير الذي يؤرخ لألفاظ اللغة العربية وتاريخ استخدامها وتطور دلالاتها عبر العصور، في إنجاز حضاري وثقافي يهدف إلى توثيق ذاكرة الأمة اللغوية.

المجلد (127) من المعجم التاريخي للغة العربية إنجازٌ عظيمٌ بارز ضمن المشروع الضخم الذي يتبناه (سلطان الثقافة)؛ إذ يُعتبر هذا المجلد جزءًا من الجهود المستمرة لتحقيق رؤية الشيخ القاسمي لتعزيز اللغة العربية وتراثها العريق، ويعكس اهتمامه العميق بتطوير المعارف اللغوية وتوثيق التراث العربي، والذي أطلقه بهدف تتبع تاريخ الكلمات العربية وتطوراتها عبر القرون، ليشمل في النهاية معجمًا شاملًا يغطي تطور اللغة العربية منذ بداياتها حتى العصر الحديث، وبدعمه المستمر، أصبح اليوم المعجم متاحًا بشكل إلكتروني من خلال منصة تتيح للباحثين والمهتمين الوصول إليه بسهولة، ما يجعله إنجازًا ثقافيًا ولغويًا يُبرز دور اللغة العربية وتطورها عبر التاريخ.

يؤكد (سلطان الثقافة) أن مشروع المعجم التاريخي للغة العربية جاء للنهوض باللغة العربية والارتقاء بها وخدمتها والحفاظ عليها للأجيال القادمة، مشيرًا إلى أن مجمع اللغة في الشارقة لم يوجد ليكون قطبًا، من أقطاب المجامع في العالم العربي، ولكن من أجل دعم تلك المجامع ماديًا ومعنويًا والنهوض بها، وذلك بالتنسيق والتواصل مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية والمجامع العربية في مختلف أقطار الوطن العربي.

تصريحات الشيخ سلطان دائمًا ما تؤكد في حديثه عن شغفه ومحبته حدّ الدهشة للغة العربية، لغة القرآن ولغة الأنبياء، والمشروع الأساسي الذي قدمه لها -حفظه الله- بهدف النهوض بها، وبالتعريب والترجمة العربية، وإيجاد الألفاظ الجديدة المتوائمة والمتماشية مع هذا العصر، من خلال علماء اللغة الذين يُعقد عليهم العزم للتحرك سوياً إلى الارتقاء بهذه اللغة.

وفي معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين، أعرب صاحب السمو حاكم الشارقة عن سعادته بهذه المناسبة الكبيرة التي تحتفي بالكتاب على أعلى المستويات، وبأرقى ما يمكن ترجمته وإنتاجه من فعاليات متنوعة، وإنتاج نوعي غير مسبوق تمثل في "المعجم التاريخي للغة العربية"؛ تعزيزاً لحب الكتاب وارتباط الإمارة الباسمة به والحرص على تحقيق أهدافه، قائلاً: "نجتمع اليوم في مناسبة كريمة على قلوبنا جميعاً وفيها فرحتان، الفرحة الأولى: هي معرض الشارقة الدولي للكتاب، فالكتاب هو سر نجاح الأمم وسر نهضتها وتطورها، ونحن في الشارقة نعز الكتاب ونجله ونقدر أهله، ونعلم أنه صانع الأجيال والأمم، ونعلم أنه خير صاحب وخير رفيق، وهو كما قال المتنبي:

أعز مكان في الدنى سرج سابح .. وخير جليس في الحياة كتاب

أما فرحتنا الثانية فهي اكتمال إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، هذا الإنجاز العلمي الكبير الذي حققه الله تعالى على أيدي فريق كبير من علماء الأمة يفوق عددهم 700 بين كاتب ومحرر وخبير مراجع وإداري وعاملين في الإخراج والطباعة، أقول لجميع الذين شاركوا في إنجاز هذا المشروع الثقافي الكبير.. شكراً لكم".

صاحب السمو حاكم الشارقة استعرض بكل زهو وفخر، فكرة المعجم التي كانت حلماً تحقق للأمة العربية جمعاء، عبر سنوات من الجهد والعلم والاجتهاد، مشيراً إلى ما يتضمنه من تراث لغوي وعلمي زاخر، وما يعقبه من مشروعات ثقافية أخرى تعطي اللغة العربية حقها كلغة عظيمة باقية، قائلاً: "إن المعجم التاريخي للغة العربية كان حلماً يراودني منذ زمن بعيد فأنا أعلم أن حفظ اللغة هو حفظ لأبنائها وحفظ لتاريخها المجيد وحفظ لآدابها وأصالتها وهويتها. لقد بذل آباؤنا، وأبناء العربية الكثير، عملوا في هذا المشروع على مدى سبع سنين متواصلة من التخطيط والترتيب والتنفيذ، جمعوا لنا اللغة العربية، وحفظوا لنا أشعار السابقين ودونوا قواعدها وكتبوا أخبارها، فجزاهم الله عنا خيراً، حتى اكتمل المعجم التاريخي اليوم في مئة وسبعة وعشرين مجلداً".

ويؤكد سموه متناولاً شمولية المعجم التاريخي للغة العربية وتكامله ودقة ما تضمنه، وعزم الشارقة على المضي قدماً في مشروعات الثقافة والمعرفة ونشرهما، وأن سموه عازمٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى على مواصلة مسيرة العلم ونشر الثقافة العربية والتمكين للسان العربي في مشارق الأرض ومغاربها.

وامتدادًا لجمال المشروع أنه يضاف إلى مشروعات الشارقة الثقافية الكبرى في اللغة العربية وتاريخ الأمة وتراثها، حيث يبشر بها (سلطان الثقافة): "أبشر الأمة العربية بمعجمها التاريخي، وأبشرها بأننا بدأنا في مشروع علمي عظيم، لا يقل أهمية عن المعجم التاريخي للغة العربية وهو الموسوعة العربية الشاملة في العلوم والآداب والفنون والأعلام، هذا المشروع الثقافي الكبير الذي سيعود بالأمة أيضاً إلى علومها وفنونها وآدابها، وإلى دراسة سير وتراجم كبار أعلامها من العلماء والفقهاء والمفسرين والفلاسفة والأدباء والشعراء وغيرهم الكثير، وهذا هو الربط الحقيقي بين حاضر الأمة وماضيها المجيد".

وما أجمل خاتمة سموه مخاطباً أهل الثقافة والعلم والمعرفة والأجيال بتواصل المشروعات العلمية وبالمستقبل الزاهر للغة العربية، قائلاً: "أقول لأبنائي..المستقبل حافل بالمشاريع العلمية الكبرى، وإني تواق بأن مستقبل العربية واعد ومبارك وميمون بإذن الله، والعربية باقية ما بقيت الحياة، ومحفوظة بحفظ القرآن الكريم".

ختامًا لمقالتي، خمسة عقود وأكثر، توهّجت خلالها شمس إمارة "الشارقة" ومشروعها التنويري بالعطاء في ظل حاكمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي يقدّم دومًا أنموذجاً مؤثراً وفريداً لقدرة الحاكم "المثقف" على توظيف شغفه المعرفي لمصلحة الثقافة والأمة، ليشكل بذلك رقماً فارقاً في تاريخ الثقافة العربية، وبصمة إيجابية في سياق المعرفة الإنسانية.