كان الفنُّ -ولا يزال- ذلك المنبع الثّر الذي يجسّد الإبداع الإنساني، كما أنه يعكس غِنى وثراء التجربة الإنسانية، فهو «الفن» ليس محصوراً في حدود الواقع المادّي، وليس مجرّد ترف فكري، ولا جمال سطحي ينتهي فور عرضه.
بل إن الفنّ في أبسط مفاهيمه وتعريفاته هو أداة تعبير عن الوجود، وطريقة للتواصل بين البشر. من هنا فإن وزارة الثقافة أدركت منذ انطلاقتها الوثّابة، وإعلان استراتيجيتها، بأن الثقافة السعودية على أرض صلبة، وأنه في الوقت ذاته، لدينا مبدعون سعوديون في شتى المجالات، كما شددت على أن ثقافتنا تقف اليوم على أرض غنية بالصناعة الإبداعية في الحقول الثقافية المتنوعة، وطاقات بشرية مبشرة تجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالم، ولذا أكّدت أنها ستعمل بنهج تشاركي مع المبدع السعودي، رأسمال الثقافة، وستذهب بعيداً لخلق بيئة تدعم الإبداع وتساهم في نموه، وستفتح نوافذ جديدة للطاقة الإبداعية عند السعوديين، وراهنت بثقة ويقين بأن الثقافة السعودية ستظل نخلة سامقة في عالمنا.
ما نشاهده اليوم يجسّد تلك الرؤية الطموحة التي تبنّتها الوزارة، إذ بات الفن إحدى القوى الناعمة التي يُعوّل عليها في سَرْدِ قصّتنا كسعوديين، أصحاب حضارة، وتاريخ، وعراقة، وتأتي أهمية الفن –كأداة فاعلة- في أن تكون ضمن ملامحنا الحضارية المشرقة، لتعمل على تعزيز هويّتنا، سيما وأننا في عالم تتزايد فيه تَغوُّلاتِ العولمة، وتتداخل فيه الثقافات، وأصبحت منظومة القيم تحت طائلة التهديد والانفلات، ما يضاعف أهمية التصدي لتلك التهديدات، والعمل على أن يكون الفن هو الرافعة القوية لتلك الحمولات عبر الحفاظ على هويتنا وأن يكون هو الجسر الذي نعبر من خلاله إلى العالم بقصصنا وقيمنا وتقاليدنا العريقة الراسخة، لنخلّدَ تلك القيم والعادات والفنون ونرويها للعالم أجمع، باعتبار أن الفن هو ذاكرتنا الجمعية التي تجعل منه ليس مجرد تعبير عن الذات وإنما مرآة للثقافة الجماعية التي تشكّل هويتنا. ولنقول للعالم بصوت واثق راسخ الحضور والتأثير: الفن لغة عالمية تتجاوز جميع الحواجز اللغوية والعرقية، وتسمو فوق كل آيديولوجية، وكل قطعة فنية أو تحفة، أو فيلم سينمائي، أو لوحة تشكيلية هي نافذة يطل من خلالها العالم على ثقافة الشعوب، وإبداعاتهم في قالب مُلهِم يبعث على التقدير والإعجاب.
وَتُعَدُّ بادرة هيئة المتاحف في إطلاق معرض «فن المملكة» من قلب المملكة إلى العالم.. بنسخته الافتتاحية في ريو دي جانيرو- البرازيل، ليقدّم «إضاءات شاعريّة» من الفن السعودي المعاصر، يُعدّ ترجمة حقيقية لهذا المسعى لتحقيق أفكار ورؤى وزارة الثقافة في أن ننقل للعالم سرديتنا الكبرى. وهذا المعرض بالعنوان الموحي الآسر، سيتبعه معارض أخرى في السياق الهويّاتي ذاته، ونقل صورة بانورامية عن واقعنا الثقافي العميق بفضاءاته الملهمة والمنفتحة على كل العالم بحضور وطني لافت ومبهج.