استعرضت قناة إم بي سي ببرنامج "من إلى" نتائج استطلاع أجرته الصحيفة عن الازدحام المروري الذي تعيشه مدينة الرياض في جميع الطرقات، والتي خَلُصت إلى أن الازدحام المروري بالمدينة تعود أسبابه إلى القصور في الأداء المروري بنسبة 20 % وإلى هندسة الطرق بنسبة 42 % وإلى الحفريات والتحويلات بالطرق بنسبة 13 % وأخيراً للتأخر في تشغيل النقل العام بنسبة 23 %.
بتغريدة لضيف البرنامج نُشرت بمنصة (X) للمهندس عبدالعزيز السحيباني، المهتم بالتخطيط الاستراتيجي والنقل، تضمنت العديد من الحلول الناجعة للتغلب على مشكلة الازدحام والاختناقات المرورية التي تُعاني منها مدينة الرياض، التي من بينها: إغلاق ما يمكن إغلاقه من الإشارات الضوئية في الرياض التي يصل عددها إلى حوالي 600 إشارة ضوئية، كون ذلك يتسبب في التوقف عندها لمدة دقيقتين كل خمس دقائق، في هَدر لوقت قائدي المركبات تصل نسبته إلى 40 %.
اقترح المهندس السحيباني لحل مشكلة تعدد الإشارات، إنشاء "كباري" حديدية، وتغيير اتجاهات الحركة إلى اتجاه واحد في الشوارع المتقاربة وبالذات التي يمكن الدمج فيها بين حركتي الاتجاهين، إضافة إلى دمج طرق الخدمة مع الطرق الرئيسة إذا كانت عروضها وكثافتها ممكنة.
واقترح أيضاً إدارة حركة المرور بشكل احترافي بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي ليشمل ذلك التعديلات وإشارات المرور ونظم تشغيلها وإدارة حوادث المرور.
تغريدة المهندس السحيباني جديرة بالاهتمام، لما تحتوي عليه من حلول قد تسهم في فك الاختناقات المرورية والتخفيف من حدة الازدحام المروري بمدينة الرياض وبغيرها.
ومن بين الإشكاليات التي نُعاني منها وتسهم في حدوث الاختناقات المرورية والازدحام، سُوء تصميم بعض الشوارع والطرقات الرئيسة وتدني مستوى جودتها وضعف طاقتها الاستيعابية، مما يتسبب في عرقلة الحركة المرورية وفي بطأها، وبالذات أن بعض الطرقات تتعدد فيها المخارج التي تتسبب في تعطيل الحركة المرورية، سيما وأن معظم قائدي المركبات لا يلتزمون بالمسار المخصص للمخارج ويسلكون مسارات الطريق الأساسية، مما يفاقم من حدة المشكلة، كما أن بعض المخارج -للأسف- مصممة بطريقة هندسية خاطئة تسمح بالتداخل بين المركبات الخارجة من المخرج والمتجه إلى مخرج آخر قريب جداً منه لا يبعد عنه سوى بضعة أمتار.
إن تقارب وتعدد الإشارات المرورية ونشرها بكثافة في طريق واحد، يضاعف من مشكلة الازدحامات والاختناقات المرورية، وأيضاً من هَدر وقت قائدي المركبات، وكما أشار إلى ذلك المهندس السحيباني بتغريدته، سيما وأنها لا تدار -وللأسف- بشكل تزامني Synchronized.
ومن بين العوامل المعطلة للحركة المرورية والتي تتسبب في وقوع الحوادث المرورية رعونة قائدي المركبات وعدم التزامهم بأدنى متطلبات السلامة المرورية، مما يتطلب التشديد على مدارس تعليم القيادة ومطالبتهم بزرع وترسيخ قيم القيادة الآمنة والسليمة وتغليظ العقوبات في حق المخالفين، وأيضا دراسة أوقات الازدحام ومرونة الإشارات بحيث تعطي الأفضلية حسب ظروف السير.
أيضا إن البطء في القيادة غير المبالي بسرعات الطريق الدنيا، من العوامل المعطلة للحركة المرورية، مما يتطلب وضع إرشادات بالطرق السريعة بالسرعة الدُنيا أسوة بإرشادات السرعة القصوى.
أخلص القول؛ بأننا بحاجة لإيجاد حلول عاجلة للازدحام المروري Quick Fixes بمدينة الرياض وبغيرها من مدن المملكة الرئيسة، متفقاً تماماً مع المهندس السحيباني بضرورة الإسراع في استخدام "الكباري" الحديدية بالتقطاعات الرئيسة، نظراً لتكلفتها المنخفضة وسرعة تركيبها وتنفيذها مقارنة بـ"الكباري" الخرسانية، سيما وأنها قد أثبتت فعاليتها بتجربتها بعددٍ من المواقع بمدينة الرياض خلال فترة السبعينات الميلادية من القرن الماضي، ولا تزال تعمل بالكفاءة وبالجودة المطلوبتين.
كما أن الحاجة أصبحت ملحة لإعادة النظر في مخرجات مدارس تعليم القيادة بالمملكة، للتأكد من جودتها، وبالذات فيما يتعلق بغرس قيم وأخلاقيات القيادة الراقية والمتحضرة، إضافة إلى ضرورة تغليظ العقوبات وتشديدها على قائدي المركبات المرتكبين للأخطاء المرورية الجسيمة التي قد تتسبب في وقوع حوادث مميتة ومؤلمة للدرجة التي قد تصل إلى مصادرة المركبة وسحب رخصة القيادة من صاحبها.
كما أنه لا بد من وجود رجال المرور في الميدان للتصرف حسب الحالة لفك الاختناقات المرورية، ولا يكتفى بوجودهم داخل مركباتهم أو استخدام مركبات المرور لتضيق المخارج، فهذا ليس الحل الأمثل كونه يتسبب في ازدحام تلك المخارج.
إن نجاح مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام سيكون مرهوناً بتأصيل ثقافة النقل العام لدى العامة وتفعيل النقل الترددي داخل الأحياء بحيث يُمكن من تقليص المسافة التي تفصل بين المنازل بالأحياء ومقار الأعمال ومراكز محطات الميترو والحافلات.
باختصار شديد: إن الازدحام المروري بمدينة الرياض وبغيرها من مدن المملكة الرئيسة يتطلب حلولاً عاجلة والتفكير خارج الصندوق، بما ذلك تعزيز القدرات الهندسية للإدارة العامة للمرور، وأن تُسند كافة الإجراءات المرتبطة بالطرق من تخطيط ومن تصميم ومن صيانة إلى جهة واحدة ولتكن هيئة الطرق منعاً للتداخلات بين أكثر من جهة.
أخيراً وليس آخراً، أتطلع إلى تبني نماذج عالمية عند تصميم الطرق، لتشمل مثلاً نموذج الـ كاربوول Carpooling ووالزونك وجدولة رحلات المركبات بالطرق وخصخصة الطرق بإسناد إدارتها وتشغيلها إلى القطاع الخاص.