فحص ما قبل الزواج يحتاج إلى تحديث، ولا بد من عمل سجل وطني للأمراض الوراثية وتحديثه استناداً لإحصاءات دقيقة، فهناك أمراض وراثية أكثر خطورة من الأنيميا المنجلية، كمرض (هنتنغتون)، وسرطانات القولون والثدي والبروستاتا، ومعه إلزام النساء الحوامل بفحص الحمض النووي لتشخيص الأمراض الخطيرة المتعلقة بالطفرات أو التغيرات الجينية، وتخصيص ملفات رقمية تحتوي على التاريخ الجيني لكل مواطن ومعرفة ما لديه من أمراض..
فحص ما قبل الزواج في المملكة مهم بالتأكيد، ويعطي طرفي العلاقة الزوجية فرصة للتراجع في حالة وجود مرض وراثي، وبالأخص في حالة زواج الأقارب، ولأن المسألة اختيارية ولا تمنع الزواج بين السعوديين، فإن الأرقام المحلية تشير إلى أن الأمراض الوراثية، لا تقف عائقاً في 90 % من هذه الزيجات، وأنها في المتوسط تصل إلى 60 % من إجمالي زيجات السعوديين، وفي أواخر 2023 ربط الزواج من غير السعوديين بالإنجاب والأمراض الوراثية والمعدية، ضمن ما أسموه (برنامج الزواج الصحي)، مع عدم السماح به نظاماً، في حالة إصابة أو حمل طرفي العلاقة لمرض مشمول بالفحص، أو ثبوت عدم قدرة أحدهما على الإنجاب، والمفروض أن يمتد الرفض للزيجات السعودية، وفحص الزواج يعتبر وثيقة ملزمة قبل الزواج للمواطنين، ولا يمكن إتمام إجراءاته بدونها، وهو يشتمل على أربعة أمراض، اثنان منهما جيني، ويرتبط بأمراض الدم، وخصوصا الأنيميا المنجلية، والآخران من الأمراض الجنسية المعدية كالإيدز، وما سبق تم تحديده بعد فحص الجينيوم السعودي، ومعرفة الأمراض والمشاكل الصحية، الأكثر انتشارا في المجتمع المحلي.
في 1982 بدأت تجربة التعديل الجيني مع البكتيريا، وتمكن الإنسان عن طريقها من إنتاج (الإنسولين) الذي يمثل بداية العلاج لمرض السكري، وتمت تجربته على الإنتاج الزراعي، وعدلت البطاطس والطماطم والذرة جينياً، وأصبحت مقاومة للمبيدات ولدرجات الحرارة المختلفة، وتم تنفيذه على أسماك السلمون، وبما يمكنها من النمو والتكاثر بسرعة أكبر، ونفس الفكرة نقلت للأبقار والأغنام والدجاج، لرفع أنتاجيتها من اللحوم والألبان والبيض والولادات، ولكنها تواجه مشكلة مع الإنسان، والتعديل الجيني البشري مسموح به في مجموعة كبيرة من الدول، إلا أنه ممنوع في 40 دولة، وبالذات ما يتعلق منه بالخلايا التناسلية التي ينقلها الإنسان إلى الجيل التالي، بمعنى أنها تسمح به في معالجة الأمراض، وتقف ضد استخدامه لتحسين النسل، أو لأغراض تجميلية، وتصميم أطفال حسب الطلب، والمسألة مرفوضة لاعتبارات أخلاقية، ولأن فيها عنصرية لا تختلف عما قام به هتلر في ألمانيا النازية ورؤيته لتفوق العرق الآري.
كل شخص يحمل في داخله حوالي عشر طفرات جينية في المتوسط، والرقم يقبل الزيادة لـ70 طفرة أو أكثر أحياناً، وهذه الطفرات تؤثر سلباً أو إيجاباً في حياة الناس، وفي تحديد التركيبة الشكلية والكيميائية والبيولوجية لجسد الإنسان، والواقع الطبي يؤكد أن الأشخاص يحملون أمراضهم معهم، ولا يمكن على الإطلاق إنتاج سلالة بشرية خالية تماماً من الأمراض، وهناك قرابة عشرة آلاف مرض مرتبط بالطفرات أو التغيرات الجينية، ومن الأمثلة عليها؛ مرض (الهيموفيليا)، وهو اضطراب وراثي يعطل قدره الكبد في القيام بعملية تخثر الدم.
العلاج الجيني على الإنسان بدأ في التسعينات الميلادية، وخلال الفترة ما بين 1990 و2018، أجريت حوالي 2900 تجربة سريرية، للتأكد من فاعليته، وفي 1990 تم الوصول إلى علاج جيني لـ(متلازمة غلينزمان) الوراثية، المعروفة بـ(نقص المناعة المركب)، وساهم السابق في تقوية مناعة المرضى بنسبة 40 %، وفي 2017 تمكنت شركة (سبارك) الطبية الأميركية من تطوير علاج اسمه (لوكستورنا) لمعالجة نوع من العمى الوراثي، الذي يحدث نتيجة لخلل في الجينات، ويعتبر أول علاج جيني يحصل على ترخيص من هيئة الغذاء والدواء الأميركية.
الأمراض الجينية مكلفة من الناحية المادية، وتقليل فرص وجودها يوفر على الدولة والناس معاً، ومثال عليها مرض الأنيميا المنجلية، وحاجته لزيارة العيادة كل أسبوعين طوال حياة المريض، وأدويته المسببة للإدمان، وحتى العلاج الذي أقر قبل عام في بريطانيا وأميركا، فيما يخص فقر الدم المنجلي، وباستخدام تقنية المقص الجيني أو ما يعرف بـ(كريسبر)، وذلك عن طريق استخدام قص مجهري ودقيق، وتحديداً في الحمض النووي للمريض، وبما يسمح بإلغاء وجود الجين المعطوب في خريطة المريض الجينية، واستبداله أو تحريره بجينات سليمة تورث لأبنائه، بواسطة فيروس يقوم بنقلها، ورغم نجاح تجاربه السريرية على 28 حالة من أصل 29 إلا أنه مكلف جداً، وتصل قيمته إلى ثلاثة ملايين دولار للحالة الواحدة، وبالتالي فهو غير متاح لكل أحد في الوقت الحالي.
فحص ما قبل الزواج يحتاج إلى تحديث في اعتقادي، ولا بد من عمل سجل وطني للأمراض الوراثية، وتحديثه استناداً لإحصاءات دقيقة، فهناك أمراض وراثية أكثر خطورة من الأنيميا المنجلية، كمرض (هنتنغتون)، وسرطانات القولون والثدي والبروستاتا، ومعه إلزام النساء الحوامل بفحص الحمض النووي، لتشخيص الأمراض الخطيرة المتعلقة بالطفرات أو التغيرات الجينية، وتخصيص ملفات رقمية تحتوي على التاريخ الجيني لكل مواطن، ومعرفة ما لديه من أمراض، فالشفرات الجينية لمعظم الأمراض أصبحت معروفة، وأولها السرطان الوراثي، والتليف الكيسي والإيدز والزهايمر، ومرض السكري والتهاب المفاصل والضمور العضلي الوراثي وغيرها، مع ربطها بإيقاف خدمات عامة محددة لضمان تنفيذها، وبما يساعد في تطوير فحص الزواج، والتأسيس لمجتمع سعودي بلا أمراض وراثية أو جنسية في المستقبل.