المسؤولية الرقمية تجاه الأطفال ليست خيارًا بل ضرورة ملحة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا.. والمملكة تقدم نموذجًا يُحتذى به في السعي لضمان بيئة آمنة للأطفال، سواء على أرض الواقع أو في العالم الرقمي، ويتطلب هذا الجهد تكاتف الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع ككل، مع استثمار الإمكانيات المتاحة لتحقيق مستقبل رقمي آمن يحمي حقوق الأطفال ويصون براءتهم..

في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، بما في ذلك الأطفال. وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي تقدمها التكنولوجيا، فإنها تحمل في طياتها مخاطر عديدة تتطلب الوعي والمسؤولية من المجتمع بأسره. المملكة العربية السعودية، من خلال نظام حماية الطفل ولائحته التنفيذية، تعمل بجد لضمان حماية الأطفال من الإيذاء والاستغلال، بما يشمل ذلك الفضاء الرقمي.

المسؤولية الرقمية تعني الالتزام بمجموعة من المبادئ والقيم أثناء استخدام التكنولوجيا لضمان الاستخدام الآمن والمثمر، عندما يتعلق الأمر بالأطفال، تشمل المسؤولية الرقمية تأمين البيئة الرقمية من أي تهديدات قد تؤدي إلى الإيذاء أو الاستغلال. يتطلب ذلك من الأهل، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع ككل اتخاذ إجراءات لحماية الأطفال أثناء استخدامهم للإنترنت والتطبيقات الإلكترونية.

تأتي هذه المسؤولية من وعي بأن الأطفال غالبًا ما يفتقرون إلى المهارات الكافية للتمييز بين المحتوى الآمن والمحتوى الضار. وبالتالي، فإن مسؤولية توفير الحماية تقع على عاتق الكبار، سواء من خلال التوجيه أو عبر استخدام الأدوات التقنية المناسبة مثل برامج الرقابة الأبوية.

نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية ولائحته التنفيذية يمثلان حجر الأساس لحماية حقوق الطفل وضمان سلامته من جميع أشكال الإيذاء أو الاستغلال، سواء كان ذلك جسديًا أو نفسيًا أو رقميًا.

تشير اللائحة إلى أن أي استخدام للتكنولوجيا قد يؤدي إلى استغلال الطفل أو تعريضه للمخاطر النفسية، الجسدية، أو الاجتماعية يُعد شكلًا من أشكال الإيذاء، يشمل ذلك الابتزاز، التحرش، أو تعريض الأطفال لمحتوى غير لائق. وتشدد على أهمية رفع مستوى الوعي لدى الأهل والمجتمع حول المخاطر الرقمية التي تهدد الأطفال، يشمل ذلك توفير مواد تثقيفية وبرامج توعية لمساعدة الأهل في فهم كيفية حماية أطفالهم.

وورد في اللائحة أن تلتزم الجهات المسؤولة بإنشاء وتطوير الأدوات والبرامج التي تسهم في ضمان بيئة رقمية آمنة للأطفال، يتضمن ذلك الرقابة على المحتوى المقدم عبر الإنترنت وضمان أن تكون التطبيقات والمواقع الإلكترونية المتاحة للأطفال مناسبة لأعمارهم، وتسهل اللائحة على الأفراد الإبلاغ عن أي حالات إيذاء أو استغلال للأطفال في الفضاء الرقمي، كما تشجع على إنشاء خطوط ساخنة وخدمات إلكترونية تتيح التبليغ بسرية وسرعة.

تلعب الأسرة دورًا محوريًا في تعزيز المسؤولية الرقمية وحماية الأطفال؛ فمن المهم أن يكون هناك حوار مستمر حول استخدام الإنترنت وأهمية الحفاظ على الخصوصية، وتحديد أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الرقمية ومراقبة نوعية المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، يمكن الاعتماد على تطبيقات المراقبة الأبوية وبرامج الحماية من المحتوى الضار، وأن يكون الأهل جزءًا من تجربة أطفالهم الرقمية، عبر مشاركة الأنشطة ومراقبة الاستخدام بشكل غير مباشر.

بالإضافة إلى دور الأسرة، تتحمل المؤسسات التعليمية مسؤولية كبيرة في تعزيز الوعي الرقمي لدى الأطفال، يمكنها تحقيق ذلك من خلال إدخال مناهج تعليمية تُعنى بالاستخدام الآمن للتكنولوجيا، تدريب المعلمين لتزويد الأطفال بالمعرفة والأدوات التي تساعدهم على التنقل بأمان في الفضاء الرقمي. تنظيم ورش عمل وندوات توعوية للأهل والأطفال.

أما على مستوى المجتمع، فيتطلب ذلك تعاونًا بين الجهات الحكومية، والشركات التقنية، والمؤسسات غير الربحية لضمان تطبيق اللوائح التنفيذية بفعالية، ولا بد من تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الرقمية الموجهة للأطفال، وتشجيع الشركات التقنية على تطوير حلول مبتكرة لحماية الأطفال.

المسؤولية الرقمية تجاه الأطفال ليست خيارًا بل ضرورة ملحة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا.. والمملكة العربية السعودية، من خلال اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل، تقدم نموذجًا يُحتذى به في السعي لضمان بيئة آمنة للأطفال، سواء على أرض الواقع أو في العالم الرقمي، ويتطلب هذا الجهد المستمر تكاتف الأسرة، المؤسسات التعليمية، والمجتمع ككل، مع استثمار الإمكانيات المتاحة لتحقيق مستقبل رقمي آمن يحمي حقوق الأطفال ويصون براءتهم.

الدكتور عبدالله الفوزان، أستاذ علم الاجتماع وأحد المختصين في قضايا الأسرة والطفولة يقول: في العصر الرقمي، حماية الأطفال ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل هي واجب أخلاقي يتطلب وعيًا جماعيًا وجهودًا مستمرة لضمان أن يكون الإنترنت بيئة آمنة لتعلمهم ونموهم.