في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، تأتي التقنية الحيوية كواحدة من الركائز الأساسية التي تسهم في تطوير القطاعات الصحية والاقتصادية والبيئية.
ومن بين المبادرات الرائدة التي تدعم هذا التوجه، يبرز دور البنوك الحيوية كحلقة وصل محورية بين البحث العلمي والتطبيق العملي في مجال التقنية الحيوية.
البنوك الحيوية تمثل أداة استراتيجية لدعم الابتكار العلمي في عدة مجالات، فهي جهات متخصصة في جمع، تخزين، وإدارة العينات البيولوجية مثل الدم، الأنسجة، الخلايا، والحمض النووي. هذه العينات تُستخدم لدعم الأبحاث العلمية والطبية، وتوفير بيانات تساعد على فهم الأمراض، تطوير العلاجات، وتحقيق تقدم علمي في مجالات متعددة.
وتتجلى أهمية البنوك الحيوية بوضوح في سياق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستثمار في القطاعات غير النفطية. فالتقنية الحيوية، كأحد المحركات الرئيسة لهذه الرؤية، تفتح آفاقًا جديدة للابتكار ودعم الاقتصاد المعرفي.
وقد أكدت الخطة الاستراتيجية للتقنية الحيوية للمملكة العربية السعودية التي أُطلقت عام 2024 على أهمية تعزيز البنية التحتية الداعمة للبحث العلمي والتطوير، بما في ذلك تطوير مراكز متخصصة تدعم الابتكار في المجالات الحيوية، وهنا يكمن دور البنوك الحيوية فهي تُمكّن الباحثين من الوصول إلى بيانات وعينات ذات جودة عالية، ما يعزز فرص تطوير علاجات جديدة للأمراض المستعصية مثل السرطان والأمراض الوراثية، كما أنها تدعم الأبحاث المتعلقة بالطب الشخصي، الذي يهدف إلى تقديم علاج مخصص لكل مريض بناءً على تركيبته الجينية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنوك الحيوية من خلال تخزين وتحليل العينات البيولوجية تتبع انتشار الأمراض المعدية، ودراسة العوامل الوراثية التي تؤثر على صحة السكان، مما يسهم في تطوير خطط استباقية لمواجهة الأوبئة وضمان استدامة النظام الصحي.
إن البنوك الحيوية ليست مجرد مرافق لتخزين العينات، بل هي محركات رئيسة للابتكار ومنصات تتيح شراكات مثمرة بين القطاعين الحكومي والخاص. من خلال تعزيز التعاون بين الجامعات، ومراكز الأبحاث، والشركات التقنية، يمكن للمملكة أن تتحول إلى مركز عالمي رائد في مجال التقنية الحيوية. وجود بنوك حيوية متطورة يعكس التزام المملكة العربية السعودية بتطوير البحث العلمي واعتماد أحدث التقنيات، مما يجعلها وجهة جذابة للشركات العالمية والمستثمرين الراغبين في بناء شراكات استراتيجية في هذا القطاع الواعد وبالتالي ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية وعالمية في مجال الابتكار العلمي.
أخيراً، الاستثمار في البنوك الحيوية ليس مجرد خطوة علمية أو اقتصادية، بل هو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة.
ستكون هذه البنوك من بين الأدوات المحورية التي تسهم في بناء مجتمع حيوي، واقتصاد متنوع ومزدهر، وأمة طموحة تقود الابتكار العلمي عالميًا.
*عالم أبحاث رئيس مشارك للبنك الحيوي السعودي