للصناعة في المملكة تاريخ طويل بدأ مع اكتشاف النفط وتصديره، ثم مرحلة تحويل الخام النفطي إلى صناعات بتروكيميائية، وبعدها بدأت عجلة الصناعة بالمسير إلى الصناعات الحربية والغذائية والمعادن ومواد البناء وغيرها، وتعد الصناعة إحدى الركائز الاستراتيجية لتنويع الاقتصاد وحمايته من التحديات والتقلبات الدولية، فهي عنوان تقدم الدول والمدخل الرئيس لنهضتها، فأي دولة تمتلك صناعة قوية ومتقدمة نجد أن اقتصادها لا يتأثر كثيراً بالتحديات والأخطار العالمية، لذلك حرصت قيادتنا الرشيدة -حفظها الله- على دعم القطاع الصناعي وجعله هاجسها الأول باعتباره محور التنمية وعصب النمو الاقتصادي، يقول الملك سلمان -حفظه الله-: "الصناعة خيارنا لتنويع مصادر الدخل".
وقد شهدت مملكتنا الغالية إصلاحات اقتصادية ومالية واسعة، بهدف تطوير قطاع الصناعة وتعزيز إنتاجيته ورفع مساهمة القطاع الخاص، وكان آخرها إطلاق الحوافز المعيارية التي تتضمن تخصيص 10 مليارات ريال، وتستهدف تمكين تصنيع المنتجات التي لا يتم تصنيعها في المملكة حالياً، وفيها حزمة كبيرة من الامتيازات والتسهيلات الحكومية للصناعيين والمستثمرين، من أجل دعم النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين القطاع الصناعي ليصبح أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والدولية، وتعزيز القدرة التنافسية المستدامة للصناعة، واستقطاب التقنيات المتقدمة والشركات العالمية؛ والهدف السامي من هذا كله هو تحقيق رحلة تحول المملكة إلى بلد صناعي يعتمد على قطاع الصناعة بشكل أساسي في تنويع مصادر الدخل.
إن مرحلة التحول إلى الصناعة تحتاج إلى قوة تصنيعية تنمو وتتطور باستمرار، والعلاقة طردية بين التصدير ونمو القطاع الصناعي؛ إذ إن ازدياد نمو الصادرات يؤدي إلى إنتاجية أكبر، وبالتالي التوسع في قطاع الصناعة وخلق حافز لتحسين الكفاءة التصنيعية، وكان من أهم السياسات التصنيعية التي طبقتها كوريا الجنوبية، بعد الحرب العالمية الثانية، سياسة توجيه التصدير الصناعي ودعمها بأنشطة الإنتاج الخاصة بالصناعات المحلية، وقد روجت لصادرات موجهة نحو الخارج في حين تبنت سياسة الاستيراد الحمائية، وخفضت الرسوم الجمركية وفرضت إعانات التصدير، وأنشأت مناطق لترويج صادرات التجارة الحرة.
وفي ألمانيا نجد أن لها سياسة مميزة في دعم الصادرات التي تقارب 40 % من الناتج المحلي الإجمالي من خلال برنامج ضمان ائتمان الصادرات للشركات "غطاء هيرميس" الذي يحمي الشركات الألمانية المصدرة من تخلف عملائها عن السداد لأسباب اقتصادية أو سياسية، ويمكّنهم من فتح أسواق جديدة، حتى تلك ذات المخاطر العالية، لذلك فإن هذا البرنامج عنصر أساسي في تعزيز التجارة الخارجية الألمانية.
فالتصدير له أهمية كبيرة في رحلة التحول للصناعة ونموها وتطورها، فهو أحد أهم محركات الاقتصاد الوطني؛ وأساس نجاح الصناعة، ولا شك أن برنامج الحوافز المعيارية له أثر كبير على القطاع الصناعي إلا أن تأثيره سيكون أكبر إذا تم التركيز على دعم التصدير خصوصاً، فنمو الصادرات يزيد من دورة الإنتاج الصناعي، وبالتالي التوسع في قطاع الصناعة وإنتاج السلع المحلية ورفع كفاءتها التصنيعية للمنافسة إقليمياً وعالمياً، وهنا تجدر الإشارة إلى برنامج "صنع في السعودية" الذي انطلق عام 2021م بهدف دعم المصانع المحلية وتوسيع نطاق أعمالها وتسويق منتجاتها محلياً وعالمياً، وكذلك إطلاق الهيئة العامة للتجارة الخارجية وبنك التصدير بهدف تعزيز تجارتها الخارجية وزيادة تنافسيتها، وتقديم خدمات تمويل الصادرات وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية، وحتى تتمكن منتجاتنا الوطنية من دخول الأسواق الإقليمية والعالمية ينبغي اعتماد نهج صناعي متكامل موجه للخارج، وترويج التصدير للصناعات القوية، وتقديم الإعانات والحوافز الائتمانية والضريبية والجمركية، والعمل على نشر الوعي بممارسات التصدير مثل مبادرة تطوير قدرات التصدير للمنشآت السعودية، وإعداد كفاءات بشرية في مجال التصدير، وتحسين كفاءة البيئة التصديرية من خلال تلبية احتياجات المصدرين وتذليل التحديات التي تواجههم.
أخيراً، أولت حكومتنا الرشيدة -حفظها الله- أهمية كبيرة للتنمية الصناعية، وقدمت كافة أشكال الدعم والمساندة والتشجيع منذ بدء مسيرة النهضة الصناعية لبلادنا، خصوصاً بعد إطلاق رؤية 2030م التي كانت مصححة للمسار الاقتصادي ومحفزة للنمو والتطور الصناعي في بلادنا، يقول الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: "نريد أن نضاعف قدراتنا، نريد أن نحول أرامكو من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي يعمل في أنحاء العالم..، وسنحفز كبريات شركاتنا السعودية لتكون عابرة للحدود ولاعباً أساسياً في أسواق العالم، ونشجع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة..".