دائماً ما تكون الحالة الجدلية عن موضوع بعينه مصدراً للمعرفة، وفتح آفاق جديدة للتفكير. من هذا المنطلق أردت أن أفتح باباً للنقاش والتفكر في الغد، فهل ستتفق آراؤنا مع غيرنا؟

والحالة الجدلية النقاشية التي نفتحها سبقتنا إليها دول كبيرة، إذ قررت استبدال البروتين الحيواني ببروتين آخر من الحشرات والديدان، نراه نحن موضوعاً مقززاً، أليس كذلك؟

وقبل أن أبدي رأياً في هذا الأمر، قررت أن أسمع أولاً لأصحاب هذا الطرح وهذه الفكرة التي أمست واقعاً. فوجدت إجابات تقول إن العالم يواجه تحديات بيئية غير مسبوقة، ومن ثم أصبح من الصعوبة بمكان تقديم حلول غذائية تقليدية كما كان يحدث بالأمس. فالتغيرات المناخية أثرت وتؤثر على الإنتاجين الزراعي والحيواني، وبالتالي كان من الضروري البحث عن مصادر أخرى بديلة ورخيصة ومتوافرة، وفي الوقت نفسه تقدم القيمة الغذائية، وتمثل ذلك في إيجاد حلول مبتكرة وبدائل متاحة للبروتين الحيواني مستخلصة من الحشرات والديدان.

مازالت تلك إجاباتهم: إن إنتاج اللحوم من الحيوانات التقليدية يتطلب مساحات شاسعة من الأراضي، واستهلاكاً كبيراً للمياه، إضافة إلى انبعاثات غازات دفيئة كربونية تساهم في تغير المناخ، فأصبح الحصول على الغذاء اليوم والغد صعب المنال. في المقابل، يعد إنتاج البروتين من الحشرات بديلاً أكثر استدامة، فالحشرات تتطلب مساحة أقل بكثير من الحيوانات التقليدية، كما أن تربيتها لا تستهلك كميات ضخمة من المياه أو الأراضي الزراعية، كما أنها تنتج انبعاثات أقل من غازات الميثان، مقارنة بالحيوانات التي يتم تربيتها لأغراض الغذاء.

والمتابع للأخبار العالمية سيرصد أن بريطانيا بدأت بتقديم عدد من المحاضرات المتخصصة للأمهات، وقام المسؤولون بشرح فكرة البروتين البديل وجدواه الصحية قبل الاقتصادية. ومن ثم كانت الصدمة عندما أعلنوا أنهم بدؤوا في تنفيذ هذه الفكرة، بتقديم وجبات لأطفال الحضانات والمدارس على اختلافها من الحشرات والديدان، وطلبوا من الأمهات أن يقمن بدورهن التربوي في إقناع أبنائهن بأهمية تلك الوجبات النوعية.

لم يفت المحاضرون أن يعددوا فوائد البروتين البديل، حيث أوضحوا أن البروتين المستخلص من الحشرات يحتوي على أحماض أمينية أساسية مشابهة لتلك الموجودة في اللحوم الحيوانية التقليدية، بل يتفوق باحتوائه على دهون صحية مثل الأحماض الدهنية أوميغا-3 التي تعزز من صحة القلب والأوعية الدموية. كما أنها غنية بالفيتامينات مثل فيتامين B12، الذي يعد مهماً في دعم وظائف الجهاز العصبي، إضافة إلى المعادن مثل: الحديد والكالسيوم، مما يجعلها غذاءً متكاملاً، خاصة للأشخاص الذين يعانون من نقص البروتين أو العوامل الغذائية الأخرى. قد يكون البروتين من الحشرات خياراً محسناً لتلبية احتياجاتهم الغذائية، لأن الحشرات تشكل مصدراً غنياً بالبروتين الذي يمكن أن يعزز من القدرة على التكيف مع التغيرات البيئية والصحية.

هل نحن أمام حقيقة يجب التعامل معها؟ أم مجرد حلم، أو درب من دروب الموضة التي تخرج علينا كل يوم؟ أم أن هناك أبعاداً سياسية لتلك التجارب المجنونة ستضرب العالم في القادم القريب؟

لقد أصبح الترويج كبيراً لفوائد البروتينات المستخلصة من الحشرات والديدان، التي قد تكون هي المستقبل الغذائي المستدام الذي يبحث عنه العالم. من خلال الفوائد البيئية والصحية التي توفرها هذه البروتينات، إضافة إلى قدرتها على حل مشكلات الأمن الغذائي العالمية، بتوفير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه البشرية. على الرغم من التحديات الثقافية والاقتصادية التي قد تواجه هذا التحول، إلا أن الابتكار المستمر في صناعة الغذاء وتسويق البروتينات البديلة قد يجعل من البروتين المستخلص من الحشرات جزءاً أساسياً من النظام الغذائي العالمي في المستقبل.

حيث تكون الخطوة الأولى في هذا التحول هي تقديم البروتين من الحشرات في شكل منتجات غذائية مبتكرة، مثل: الوجبات الجاهزة، المأكولات الخفيفة، أو المكملات الغذائية التي تحتوي على الحشرات المطحونة أو المعالجة. وتقديم هذه المنتجات على شكل مساحيق غذائية أو مكونات في الوجبات الجاهزة التي تساعد على إخفاء مصدر البروتين، فتكون هذه المنتجات بداية لحل مشكلة القبول الثقافي.