كيف يفكر الأميركيون في مستقبل وجودهم بمنطقة الشرق الأوسط؟ بينما تحاول الولايات المتحدة الخروج من الشرق الأوسط، إلا أن المصالح الاستراتيجية والتوازنات العسكرية في المنطقة تجعل الانسحاب الكامل أمرًا بعيد المنال.

في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد التوترات الإقليمية والأحداث الكبرى، مثل أحداث 7 أكتوبر والهجوم المباغت على إسرائيل من قبل حماس، أصبح الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، فوجدت العديد من القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، أمام مفترق طرق في تعاملها مع هذه المنطقة، التي كانت تاريخيًا ساحة للتدخلات العسكرية والسياسية. ومع التحولات السريعة في التحالفات الإقليمية، تظهر تساؤلات حول إمكانية انسحاب أميركا من الشرق الأوسط، خاصة في ظل التعقيدات الحالية التي تشهدها المنطقة.

لطالما كانت أهم أهداف باراك أوباما في ولايته الخروج من منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على التهديدات العالمية مثل الصين وروسيا، لكن الأوضاع في الشرق الأوسط دائمًا ما كانت تفرض نفسها على الاستراتيجية الأميركية.

ليأتي دونالد ترمب في فترة رئاسته الأولى ليأخذ موقفًا أكثر واقعية، فبينما كان أوباما يطمح إلى الخروج، كان ترمب يعتقد أن الانسحاب من الشرق الأوسط سيكون مغامرة غير محسوبة، لذلك قام بإطلاق اتفاقيات إبراهيم التي مكنت إسرائيل من توطيد علاقاتها مع دول عربية، مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ليحقق استقرارًا سياسيًا نسبيًا في المنطقة، ويقلل من الحاجة إلى وجود عسكري أميركي مباشر.

وعلى الرغم من هذه النجاحات الاستراتيجية، كانت الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في تنفيذ الانسحاب الكامل، فبينما يسعى ترمب إلى تقليص الحضور الأميركي، ظل الشرق الأوسط مسرحًا رئيسيًا لبعض التدخلات الخارجية، وهو ما جعل الانسحاب الأميركي مهمة صعبة.

أما في عهد بايدن، فكانت رغبة الخروج من الشرق الأوسط أيضًا حاضرة، ولكن جاءت أحداث غزة وأزمة أفغانستان لتجعل هذه الرغبة أكثر صعوبة، فكان الانسحاب المهين من أفغانستان الذي كشف عن ثغرات أمنية في السياسة الأميركية، وأدى إلى زيادة الضغوط على الإدارة الأميركية للتواجد بشكل أكبر في المنطقة.

إحدى النقاط المحورية في التحولات الأخيرة هي موقف الحوثيين في اليمن، الذين أصبحوا أكثر جرأة في تهديداتهم تجاه إسرائيل، التي وجدت نفسها في مواجهة الحوثيين. لكن المشكلة التي تواجه إسرائيل في هذه المعركة هي الاستخبارات والحصول على المعلومات، حيث من الصعب على أي دولة أن تحارب بشكل فعال في اليمن بسبب التضاريس المعقدة.

أما الأكراد في سوريا، فقد يشعرون بالخيانة إذا تخلت الولايات المتحدة عنهم لصالح تركيا. في هذه الحالة، سيغامر الأكراد بالتهديد وإطلاق سراح 8,000 من مقاتلي داعش من السجون الكردية، مما يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة، حيث يعود هؤلاء المقاتلون إلى سوريا وتركيا وربما سيناء، مما يشكل تهديدًا جديدًا على أمن المنطقة، ويهدد المصالح الأميركية، ويمنع خروجها الآمن من منطقة الشرق الأوسط.

إن الوجود العسكري الأميركي مازال ضروريًا في الخليج العربي ومناطق أخرى لمواجهة التحديات والتصعيدات الإقليمية –بحسب الساسة الأميركيين أنفسهم– كما أن التحالفات الاستراتيجية التي أقامتها الولايات المتحدة مع إسرائيل وبعض دول الخليج تجعل من الصعب تصور انسحاب كامل من المنطقة في المستقبل القريب. ومع ذلك، ربما يكون الانسحاب الجزئي واردًا، خصوصًا إذا تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق استقرار نسبي في المنطقة من خلال الدبلوماسية والتحالفات الإقليمية. لكن في نهاية المطاف، يظل الشرق الأوسط مركزًا للصراعات والنزاعات، مما يعني أن الوجود الأميركي، سواء كان عسكريًا أو دبلوماسيًا، يبقى ضروريًا لضمان استقرار المصالح الأميركية في المنطقة.