ثمّة ملمح قيادي سياسي حصيف، لا يغيب عن أي عاقل مدرك ومتابع للشأن العالمي أن يتجاوزه أو يتجاهله؛ ذلك ما يتعلق بالدور المحوري الفاعل للمملكة العربية السعودية كقوة دافعة تعيد صياغة المفاهيم التقليدية في العمل الدولي.

وهذا يبدو جلياً من خلال قراءة واعية لجهود المملكة وأدوارها المتعددة، التي تثبت فيها يوماً بعد يوم أنها دولة كبيرة ومحورية تنطلق في توجهاتها، ومسؤولياتها الجسيمة من موقف رزين وثابت، موقف لا يقبل التلوّن أو الزيف، وإنما وضوح في الرؤية، وشجاعة في القرار، وتنأى دوماً بنفسها عن الاستعراضية أو ما يقدح في نزاهة مواقفها، أو يضعها في موقف غير سليم.

ولعل من تابع مشاركة صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، وزير الخارجية، وكلمته في جلسة برئاسة المملكة بعنوان «السعي نحو الأثر: تعزيز الجهود من خلال المنتديات الدولية»، ضمن فعاليات الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في دافوس يلحظ كيف أن سموه أكد على أهمية أن تُعيد المنظمات متعددة الأطراف ارتباطها بالمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، مشددًا على ضرورة تقديم الخير العام على المصالح الضيقة. وهذه الكلمة رغم قصرها إلا أنها تحمل مضامين مهمة جداً؛ فهي دعوة واضحة وصريحة تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الدولية تزايد التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية، والانقسامات السياسية. ومن هنا جاءت الكلمة والموقف لاستدعاء المبادئ الأصيلة التي طالما شكلت الأساس للعمل الدولي المشترك، فهذه المبادئ -كما أشار سموه- يجب أن تكون الضوء الذي يهتدي به الجميع لتحقيق أهداف شاملة ومستدامة تخدم البشرية.

نخلص من هذا إلى أننا نشعر بفخر على عراقة السياسة السعودية واتزانها، وتوازناتها المتينة التي تتسم بسعة الأُفق، ورجاحة الرؤية وشموليتها، وهو ما أكسبها هذا الحضور الفاعل والمحوري، ويجعلها خليقة بأن تقود العديد من المبادرات التنموية في الداخل والخارج، وتؤكد -في كل مرة- وعبر هذا الحضور في دافوس أنها ليست شريكاً دولياً ملتزماً فقط، بل إنها صوت مسؤول وواع يسعى إلى بناء جسور التعاون الدولي على أسس مستدامة.

إن دعوة الأمير فيصل لإعادة الارتباط بالمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة ليست مجرد نداء أخلاقي، بل هي دعوة سياسية متقدمة لإعادة صياغة قواعد العمل الدولي؛ هو بلا شك خطاب رزين ورصين يعكس الفهم الأصيل والواقعي لأهمية المنظمات الدولية كمساحات للتفاعل المشترك؛ لا كساحات للصراعات أو الهيمنة. ولعل مثل هذه اللقاءات الدولية، وبالجهود المخلصة، كالتي تقودها المملكة بخبرتها الحصيفة المخلصة والساعية لرأب الصدوع في العالم؛ لعلها تجد الاهتمام الخليق بها، وتساهم معها في تفعيل كل الجهود لتحقيق الخير والنماء والرفاه، وقبلها السلام والوئام والتعايش لكل الشعوب في كوننا الإنساني الرحب.