شَرُفَ الأدبُ بوصف المصطفى –صلى الله عليه وسلم– فتنافس شعراء الصحابة –رضوان الله عليهم– في مدحه، والثناء عليه، والدفاع عنه، كما رأينا في قصائد حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، وغيرهم، وكانت أوصافهم جميلة بجماله –صلى الله عليه وسلم-. وأبدع الكُتّاب منذ القديم في وصفه –صلى الله عليه وسلم– وتفنّنوا في ذكر أخلاقه، وصفاته، فأشار الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) شيئاً من كلامه -صلى الله عليه وسلم– حيث يقول: «وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه، وكثر عدد معانيه.. وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة..».
وحظي الأدب في العصر الحديث بشرف الكتابة عنه –صلى الله عليه وسلم- فاحتفى عمالقة الأدب بالسيرة المُحمدية، وأفرد بعضهم لها المصنفات، وبلغ أولاء بوصفه قمة النضج الفني، والسمو الأدبي، والتأنق الكتابي، وكان جلّ وصفهم في بيان سيرته وإنسانيته، ورحمته، ورفقه، وعطفه، وأدبه، وكثير من صفاته الطيبة، وسماته المحمودة -صلى الله عليه وسلم-، فمصطفى لطفي المنفلوطي (1924م) في كتابه النظرات يقول: «إن في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وسجاياه التي لا تشتمل على مثلها نفس بشرية ما يغنيه عن كل خارقة تأتيه من الأرض أو السماء، أو الماء، أو الهواء.. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شجاع القلب .. كان واسع الأمل، كبير الهمة، صلب النفس.. إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم مثال يجب أن يحتذيه المسلمون للوصول إلى التخلّق بأشرف الأخلاق، والتحلي بأكرم الخصال، وأحسن مدرسة يجب أن يتعلموا فيها كيف يكون الصدق في القول، والإخلاص في العمل.. لا حاجة لنا بتاريخ حياة فلاسفة اليونان، وحكماء الرومان، وعلماء الإفرنج، فلدينا في تاريخنا حياة شريفة مملوءة بالجد، والعمل، والصبر، والثبات، والحب، والرحمة، والحكمة، والسياسة، والشرف الحقيقي، والإنسانية الكاملة، وهي حياة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وحسبنا بها وكفى».
وفي كتابه (وحي القلم) أبدع مصطفى صادق الرافعي (1937) في وصفه -صلى الله عليه وسلم- فذكر أنه كان: «معتدل الأمر، غير مختلف؛ وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، له نور يعلوه كأن الشمس تجري في وجهه، لا يؤيّس راجيه، ولا يخيّب عافيه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول؛ أجود الناس بالخير. صلى الله وسلم على صاحب هذه الصفات التي لا يجد الكمال الإنساني مذهبًا عنها، ولا عن شيء منها، ولا يجد النقص البشري مساغاً إليها، ولا إلى شيء منها؛ ففيها المعنى التام للإنسانية، كما أن فيها المعنى التام للحق. هي صفات إنسانها العظيم، وقد اجتمعت له لتأخذ عنه الحياة إنسانيتها العالية؛ فهي بذلك من برهانات نبوته ورسالته».
وكتب عبد العزيز البشري (1943م) في مجلة المعرفة عام 1933م رسالة جميلة في صفات النبي محمد –صلى الله عليه وسلم–، وجاء كتاب (عبقرية محمد) لعباس محمود العقاد (1964م) فيما بعد ليقدم جوانب من حياة النبي الرحيم، الرفيق بقومه، العالم بما يصلح لهم، القائد العسكري، الإنسان النبيل، الرجل السياسي المحنَّك، الزوج العطوف، والأب الحنون، صلوات ربي وسلامه عليه.