إن إعلان ولي العهد الأسبوع الماضي، خلال المكالمة التي أجراها مع الرئيس القديم الجديد دونالد ترمب، عن عزم المملكة على توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المُتحدة بـ 600 مليار دولار، سوف يعطي دفعاً قوياً للعلاقات بين المملكة والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة.
وتعتبر العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة، نموذجاً للعلاقات المتوازنة بين الدول، حيث إن طرفي المعادلة يستفيدان منها. فالمملكة قد أعطت الولايات المتحدة الكثير منذ الاجتماع التاريخيّ بين المؤسس صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز، تغمده الله برحمته، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945، والتي أسّست لعلاقات استراتيجية استمرّت حتى يومنا هذا. كما أن المملكة هي الأخرى استفادت من هذه العلاقات بشكل كبير.
وإذا كان المحتوى الاقتصادي لهذه العلاقات قد تراجع بعض الشيء، فأصبح ترتيب الولايات المتحدة، وفق إحصاءات نوفمبر 2024، هو سادس أكبر دولة تذهب إليها صادراتنا وثاني أكبر دولة تستورد منها، فإن المكون الثقافي للعلاقات بين البلدين هو في القمة.
وهذا يعود، إلى استثمارات الولايات المتحدة في هذا المجال، منذ اكتشاف النفط في المملكة عام 1933، أي ما يزيد على 90 عاماً. فهذا الاكتشاف قد أدى إلى تعلم السعوديين اللغة الإنجليزية، وذلك قبل أن تصبح الولايات المتحدة الأرض التي تحتضن الطلاب السعوديين الذين ذهبوا إليها مبتعثين بالآلاف ابتداء من سبعينات القرن المنصرم. فهذا المكون تحول إلى رأس مال، ساهم ويساهم في توطيد العلاقات بين البلدين. فآلاف المتخرجين السعوديين من الولايات المتحدة في مختلف المجالات والتخصصات، هم اليوم وغداً وبعد غد، طرف قوي ضمن شريحة أصحاب المصالح Stakeholders السعوديين المهتمين بتوطيد العلاقة بين البلدين. وهذا ما ينقص العلاقة مع الصين، التي أصبحت الشريك التجاري والاقتصادي رقم واحد للمملكة، ولكن المكون الثقافي بين المملكة والصين لم يتطور بعد بنفس الدرجة.
الأمر الآخر، الذي يدعم تطور العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، هو سياسة السعودية المتوازنة والمسؤولة في مجال النفط، وذلك ضمن إطار أوبك، وفيما بعد أوبك+ التي تأسست عام 2016 كرد على الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط خلال العام المشار إليه إلى 26 دولاراً للبرميل. فالمملكة تطمح دائماً لأن يكون سعر النفط عادلاً، بمعنى أن يكون كافياً لتمويل نفقات الميزانية على التنمية في الدول المنتجة من ناحية، وأن لا يعوق نمو الاقتصاد العالمي من ناحية أخرى.
طبعاً الحديث يدور هنا عن الإطار الاستراتيجي بعيد المدى للعلاقات بين البلدين، أما الإطار التكتيكي -على المدى القصير- فهو ليس كذلك دائماً. وضمن هذا الأخير، تأتي الدعوة الموجهة لمنظمة «أوبك» بخفض أسعار النفط. فهذا النداء يتناقض أولاً مع التوجه لتشجيع شركات النفط الأمريكية على الاستثمار داخل الولايات المتحدة. فهذه الشركات حتى ترفع استثماراتها تحتاج في البداية إلى أسعار مشجعة، قبل أن يؤدي ذلك فيما بعد لزيادة الإنتاج وتدني أسعار النفط. كما أن البلدان المنتجة للنفط، من جهة ثانية، هي الأخرى تحتاج لأسعار عادلة، من أجل الإنفاق على التنمية.