أصدرت الهيئة العامة للإحصاء مؤخرًا نتائج مؤشر الأمان لعام 2023، وهو مؤشر مهم يعكس مدى شعور المواطنين والمقيمين بالأمان أثناء السير بمفردهم في مناطق سكنهم، خاصة خلال الليل.

النتائج أظهرت نقلةً نوعية في مؤشرات الأمان بالمملكة، حيث كشف التقرير أن 92.6 % من الأفراد (15 سنة فأكثر) يشعرون بالأمان أثناء السير بمفردهم في مناطق سكنهم. وهذه النسبة المرتفعة ليست مجرد رقم إحصائي، بل تعكس ثمرة جهود متكاملة في تعزيز الأمن المجتمعي وتحسين جودة الحياة، وهو ما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف الـ16 الذي يركز على بناء مجتمعات آمنة ومستقرة.

ولا شك أن الأرقام الإيجابية التي أظهرها المؤشر هي انعكاس مباشر للجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز الأمن والاستقرار، فقد ساهمت السياسات الأمنية الصارمة، وانتشار كاميرات المراقبة، والتحولات في التخطيط العمراني وتحسين البنية التحتية، والتطور في توظيف التكنولوجيا والأمن السيبراني، في تحقيق هذه النسب المرتفعة من الشعور بالأمان.

لكن كما هو الحال مع أي دراسة إحصائية، تكشف التفاصيل الدقيقة بعض التفاوتات المهمة التي تستحق التأمل والتحليل.

إذ يذكر التقرير أن 10.7 % من السعوديين يشعرون بالأمان "إلى حد ما"، ما يستدعي تساؤلا مهماً: هل يعود هذا إلى عوامل مكانية (كاختلاف الأحياء)؟ أم إلى تحديات مثل الازدحام أو نقص الإضاءة؟

كما أظهرت الإحصائيات أن كبار السن (60-64 سنة) هم الفئة العمرية الأكثر شعورًا بالأمان بنسبة 94.5 %، متجاوزة المعدل العام، مقارنة بالشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة. هذا التفاوت قد يكون ناتجًا عن اختلاف أنماط الحياة، حيث يكون الشباب أكثر عرضة للحركة والتنقل في أوقات وأماكن قد تحمل مخاطر أكبر نسبيًا، عطفا على نجاح السياسات الموجهة لفئة كبار السن، مثل تحسين البنية التحتية لتسهيل تنقلهم، وزيادة الرقابة الأمنية في الأحياء السكنية، وربما انتشار الثقافة المجتمعية الداعمة لكبار السن.

وعند النظر إلى الفوارق بين الجنسين، تكشف الأرقام أن نسبة الإناث اللواتي لا يمشين بمفردهن ليلًا بلغت 6.8 %، مقارنة بـ 3.7 % للذكور. هذه الفجوة، رغم ضيقها، تعكس تحديات تتعلق بثقافة المجتمع ومتطلبات الأمان الشخصي التي قد تدفع بعض النساء إلى تجنب المشي بمفردهن في أوقات معينة.

وتشير البيانات كذلك إلى أن نسبة السعوديين الذين يشعرون بالأمان بلغت 91.3 %، بينما وصلت النسبة بين غير السعوديين إلى 80.6 %. هذا الفارق قد يكون مرتبطًا بعوامل عدة، مثل مدى اندماج غير السعوديين في المجتمع، واختلاف أنماط السكن والمعيشة، أو حتى تجارب سابقة قد تؤثر على إدراكهم للأمان.

ورغم أن هذه النسب تبقى أفضل مما هو موجود في العديد من الدول الأخرى، فقد احتلت المملكة المرتبة الأولى بين دول مجموعة العشرين حسب بيانات الدول في قاعدة بيانات الأمم المتحدة لمؤشرات أهداف التنمية المستدامة، مقارنة بنتائج مؤشر الأمان لعام 2023م إلا أنها تفتح المجال للنقاش حول كيفية تعزيز شعور الأمان لدى جميع الفئات، وخاصة النساء، من خلال تحسين البنية التحتية، وزيادة الإضاءة في الأماكن العامة، وتعزيز وسائل الأمان الرقمي مثل تطبيقات الطوارئ والمراقبة الذكية.

النجاحات التي كشفها التقرير تستحق الإشادة، لكنها ليست محطة نهائية. فالشعور بالأمان ليس ترفاً، بل حقٌ أساسي. لذلك، يجب تحويل النسب الصغيرة إلى حافز للعمل. ولنكن فخورين بما تحقق، ولكن لننظر أيضاً إلى ما يمكن تحقيقه، إذن أن المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبطموح صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، اعتادت على منافسة نفسها قبل أن تنافس الآخرين.

محمد العتيبي