تشير (الإيكولوجيا Ecology ) إلى البيئة، ودراسة العلاقة بين الإنسان والحياة، وقد امتدت في هذا العصر لتندمج مع تخصصات إنسانية متنوعة، لعل من بينها: الأدب الذي هو أحد أشكال التعبير المهمة عن الإنسان وبيئته. وفي ضوء ذلك الاندماج ظهرت (الإيكولوجيا الأدبية)، ثم (النقد البيئي)، ثم تسللت فكرة (الأدب البيئي ونقده) إلى الأدب العربي المعاصر فيما بعد، غير أنها ما تزال في مرحلة التشكّل، مع وفرة الأعمال الأدبية التي تصلح للنهوض بهذه الفكرة، وتطويرها إلى حيث النضج والاستواء.

ولعلنا نبدأ من العنوان، فنحاول تبيّن ذلك الأثر البيئي (الإيكولوجي) في نماذج الرواية العربية، ولا بد أن نشير قبل ذلك إلى أن (إيكولوجيا) العنوان يمكن لمحها في غير جنس أدبي؛ إذ قد نراها في عنوان الديوان الشعري، أو في المسرحيات، أو الرحلات، أو المجموعات القصصية، أو الرسائلية، لكننا سنجعل التركيز منصّباً على الجنس الروائي؛ نظراً لغزارته، وتنوعه، وتميزه؛ فالناظر في الرواية العربية يجد كمّاً هائلاً من الأعمال التي تتعامل مع البيئة من عتبتها الأولى، وهي (العنوان)، ولا ريب فالعنوان يرسم ملامح الرواية، ويعطي انطباعاً مبدئيّاً حولها، كما قد يضيء الطريق للمتن في أن يكتسب الصفة (الإيكولوجية)، وربما كان مجرد عنوان فحسب، لا علاقة للمتن به.

وعلى أي حال فإن العنوان البيئي قد يعطي تصوراً عن الكاتب المسكون بالبيئة؛ ولهذا عثرنا على أسماء كانت تضفي على أكثر عناوينها طابعاً (إيكولوجيًّا)، ونذكر منها: عبد العزيز مشري الذي كان بيئياً في قصصه، وكان بيئياً في رواياته، كــ (الوسمية - الغيوم ومنابت الشجر - ريح الكادي - الحصون)، وهاني الراهب في رواياته (التلال - خضراء المستنقع - خضراء كالحقول - رسمت خطّا في الرمال)، ووليد إخلاصي في رواياته (أحزان الرماد - زهرة الصندل - خان الورد - شتاء البحر اليابس - زمن الشجرات)، وعادل عبد الجبار في رواياته (جبل النار جبل الثلج - في يوم غزير المطر في يوم شديد القيظ - القمر الصحراوي)، ويعرب السعيدي في روايتيه (النخل يا مدينة المدن - رائحة البساتين الشرقية)، وغيرها.

وإذا بحثنا كثيراً في العنوان الروائي ذي الملمح البيئي فإننا أمام نماذج تهتم بالنبات مثلاً، من قبيل: (رفقاً بالرياحين - الغصن اليتيم - الزهرة المحترقة - الثمار المرّة - مدن تأكل العشب - أواني الورد - الجزيرة الخضراء - أثمر زرعي شوكاً - شجرة الدموع - حتى لا تتساقط الأوراق - الأشجار واغتيال مرزوق - أثل الدوادمي - شوك الورد - من أوراق شجرة الذات - رائحة البرتقال - الشجرة - فاس وشجرة التفاح - أزهار - وردة - ثمرات ضائعة - الزهرة الذابلة - الأزاهير الحمر - شجرة الصبر - حكاية زهرة - الثمار - البرتقال المرّ - زهرة قرنفل حمراء - زهر الليمون - الغابة - زرع النوى - عطش الصبّار - شجرة السدر - زهرة الصبّار - زهرة في قبر..)، وغيرها.

وقد نجد عنوان الرواية (الإيكولوجي) ينصرف نحو البيئة الحيوانية، كما في (السمّان والخريف - دعاء الكراون - عيون الثعالب - الطيور والأصدقاء - مسك الغزال - الكراكي تهاجر شرقاً - القطط المخبرية - الصياد واليمام - نزهة الدلفين - سمك بأحشائه - أنثى العنكبوت - قبو الأفاعي - رحيل اليمامة..)، وغيرها.

وقد أحصيتُ عددًا كبيراً من الروايات ذات العنوان البيئي، بعضها توظّف الطبيعة والتضاريس، وأخرى توظّف الفصول والمناخات، وثالثة توظّف علاقة الإنسان ببيئته، ويبقى الأهم أن ندرس ارتباط العنوان بمتن الرواية، وعلاقة ذلك المتن بوعي الإنسان بيئيًا، ودراسة تلك العلاقات من منظور النقد البيئي الذي ما زال ينمو اليوم عند نقادنا المعاصرين.