تحتل المملكة -اليوم- موقع القيادة لهذا العالم المتنازع الأطراف، لنجد فيها وفي قادتها الصديق الحميم لكل هذا العالم وقادته وشعوبه، وأيضاً ثقة ومحبة وفهماً لكل مدارات الفكر لقادة هذا البلد العظيم الذي ينشر أجنحة الحب والسلام والعطاء، مع الفهم العميق بأن هناك مخالب لا تظهر إلا في وقت يميل فيه الحق وميزان العدل.
مند أن بلج ضوء الحداثة والنهضة الجديدة بالمملكة العربية السعودية، في ثوبها الجديد على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده -حفظهما الله-، سالت الأقلام، ودرَّت المحابر، وغزلت المطابع غزلاً حريرياً، لنتائج هذه النهضة وآثارها التي تعدت وثباتها من المملكة إلى العالم أجمع. حينها تحدث الكثيرون من خبراء وساسة وعلماء تنمية واقتصاد عن نهضة، والحقيقة أنه لا يسجل أثرها كل ما قيل أو كل ما سيقال -من وجهة نظرنا- سوى التاريخ والأثر الفاعل على أرض الواقع، فالواقع أصدق وأحق بالدراسة والتأمل.
ولذلك قد يتساءل البعض عن سبب اختيار الرياض لإقامة قمة بين دولتين عظيمتين (القمة الروسية الأميركية)، إن الإجابة قد تطول محاورها فلا يتسع لها هذا المقال، ولكن الذي أهّلها هو ما لها من العمل الاستراتيجي لتكون محور ارتكاز العالم.
من أولويات الانتقاء أنها بلد الأمن والأمان والاستقرار وصدق النوايا، وهذا لا ينفي ما سوف نرفده من أسباب.
فالنهج الذي اتخذه ويتخذه خادم الحرمين الشريفين نهج يسابق العالم أجمع، بل يقف معه على طرف الندية بكل المفاهيم التي قد لا تخطر على بال المواطن نفسه؛ ولم يكن ذلك بجديد على أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، الذي نهض بالمملكة للمرة الثالثة فأصبحت لاعباً مؤثراً منذ نشأتها على يده -طيب الله ثراه-، وغدت قبلة المشهد العالمي على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين، هذا النهج المتمثل في إرساء الأمن في هذه البلاد بل وفي العالم أيضاً، وهو ما قامت عليه الدولة منذ تأسيسها ودأب عليه الأبناء والأحفاد في سلسلة من الوفاء بالعهد الذي اتخذه على نفسه مؤسس هذه الدولة -رحمه الله-، يقول الباحث الدكتور عبدالرحمن الشقير -المتخصص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا-: "إن الدولة السعودية عند قيامها سعت إلى دعم الإبقاء على التجانس الاجتماعي بتعزيز الأمن وفرض العقوبات الصارمة ضد الجريمة وتهديد الأمن، مما كان له الأثر الكبير في إيجاد بيئة صحية للمجتمع"، هذا من جهة الاستقرار الداخلي والمجتمعي وهو ما يقوي تماسك الدولة واستقرارها فلا مناص لزعزعة أركانها مع شعب وضع يده في يد قادته.
أما من الناحية الأخرى لهذا الاختيار في مناحٍ متعددة المحاور والجوانب في جهد جهيد واستراتيجيات مستدامة متوالية، ونحن كنا نرصد ونكتب، ونلاحظها وهي تنشر أجنحتها في كل أطراف العالم من أقصاه إلى أدناه، ولذا سبق أن كتبنا مقالاً في هذا الشأن بعنوان (المملكة لها أجنحة) في هذه الصفحات الغراء المهمومة بالوطن وبالثقافة والوعي، وكان ذلك المقال -سالف الذكر- استشرافاً لما نراه اليوم، لما رأيناه من تحضير واعٍ لمثل هذه الأزمات التي تجوب العالم شرقه وغربه، فيؤتي أكله اليوم الذي يموج فيه العالم بين حرب وسلام منشود، فتحتل المملكة -اليوم- موقع القيادة لهذا العالم المتنازع الأطراف، لنجد فيها وفي قادتها الصديق الحميم لكل هذا العالم وقادته وشعوبه، وأيضاً ثقة ومحبة وفهماً لكل مدارات الفكر لقادة هذا البلد العظيم الذي ينشر أجنحة الحب والسلام والعطاء مع الفهم العميق بأن هناك مخالب لا تظهر إلا في وقت يميل فيه الحق وميزان العدل.
ولذلك كان المقال سالف الذكر استشرافياً حين يقول: "إن أثر تحليق أجنحة المملكة شرقاً وغرباً في تحالف وتواؤم مع جميع دول العالم بدون استثناء، ذلك لما للمملكة من ثقل يجعلها صلة وصل بين دول العالم، ولهذا أصبح لها أجنحة لا لتحلق فحسب وإنما لتربط نواحي هذا العالم المترامي الأطراف في كينونة وجودية تحمي وتؤسس وتعطي وتدعم في مطلب مهم وهو الرفاة والأمن والسلام في هذا العالم..".
لم تكن شوفينية أو استعلاء، وإنما رأي كاتب تمرس في صنع الأحداث الدرامية كمهنة امتهناها ونعلم كيف يمكن أن تسير الأمور عبر نصوص محكمة الصنع، حينما رأينا المملكة تحلق في سماء الدنيا بأسرها من تنوع للأصدقاء كالصين، وأميركا، وروسيا، والهند، وكل أوروبا وأفريقيا بالأفكار المستقاة وبالتسليح المتنوع وبمدارج الفكر والمفكرين وبحل العديد من المشكلات والوساطات المتعددة، كل على سطر واحد من الحب والحزم، من الشدة والليونة، مع جل العطاء والدعم والمشاركة في الإغاثات والدعم بالمال وبالغذاء وبالدواء لكل بقاع الأرض وباستراتيجيات حكيمة مدروسة عبر رؤية 2030، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك.
كل ذلك بدافع الحب والسلام الذاتي والمجتمعي والعالمي وليست مسائل استعراض أو مزايدة؛ إنما مستقى من منابع ديننا الحنيف الذي ننهل منه مكارم الأخلاق والصدق في القول وفي الفعل وبالقسط في الميزان.
ولذا وثق بها وبقادتها العالم وأحبها كل هذا وذاك لما يحمله خادم الحرمين وولي عهده الأمين من حكمة تكاد أن تكفي لاحتواء هذا العالم، وهي حكمة متوارثة -ولا شك في ذلك- من الوالد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي كان له حكمة متجسدة تمشي على الأرض، حين روّض أباطرة العالم وحكامه، لتكون المملكة راسخة الأركان كما هي الآن، والتاريخ يشهد بأن وحوش العالم حينها كانت تنهش في جسد الجزيرة العربية. وهؤلاء الأبناء البررة لما نرى في برهم لوالدهم واتباع خطاه، وكذلك الوفاء لهذا الوطن والتفاني في حبه، وهذه شهادة للتاريخ.
وقد صدقت الرؤية وجاز التحليل لقراءة ما كان يحدث وما سوف يحدث، وها هي نتائج تحركات الدولة السعودية في كل الاتجاهات، حيث نرى الآن إقامة القمة الروسية الأميركية في الرياض ثقة وحباً وأماناً وصدقاً، لأن المملكة تقف في صف واحد تجاه هذه الدول، لا تميل لطرف على حساب طرف ولا تتخذ موقفاً موارباً من أي من هذه الأطراف، حتى أصبحت الرياض بحكمة قادتها محور ارتكاز للعدل والصدق والوفاء، فأصبحت بذلك رمانة الميزان لهذا العالم، وهذا أمر لم يكن باليسير على الإطلاق.