الواقع الذي تفرضه علينا الهواتف يجعلنا نفكر في المستقبل، وقطاع الإعلام إن لم يدرك ذلك سيصبح أسيراً لمنصات التواصل الاجتماعي التي يصل من خلالها إلى المتلقي بشكله المعتاد، لأن «الرقمنة» غيرت شكل المحتوى وصناعته بعد تغيّر أنماط استهلاكه بشكل غير مسبوق.
وبالتالي، فإن الاستثمار في التكنولوجيا وتطويرها وبناء تطبيقات إعلامية ودمج التقنيات معها سيدعم قوة الإعلام في مواجهة منصات التواصل، إذا ما اقترن ذلك بمشروعات إعلامية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لتكون المنصات الرقمية لوسائل الإعلام أكثر قدرة على جذب الجمهور والمحافظة عليه.
وما يدفع إلى قول ذلك هو التحولات التقنية وحالة التطور التي تتيح للأفراد عبر هواتفهم المدعمة بإمكانات متقدمة في التصوير والمونتاج والبث المباشر منافسة المؤسسات الإعلامية الكبرى، وهو ما يفرض على الأخيرة إعادة هيكلة عملياتها لتصبح أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التغيرات المتسارعة، وتوظيف التحليلات الرقمية لتحسين فهم احتياجات الجمهور وتقديم محتوى مخصص وفقاً لتفضيلات المستخدمين، وبناء تقنيات مثل الواقع المعزز والافتراضي، الذي قد يفتح آفاقاً جديدة لتجربة إعلامية أكثر تفاعلية وجاذبية. علاوة على ذلك، فاستخدام الذكاء الاصطناعي في المحتوى وتقديم التوصيات يعززان من كفاءة الإنتاج الإعلامي ويضمن وصول المحتوى المناسب إلى الجمهور المستهدف في الوقت المناسب.
ولأن المحتوى المميز والمهني من الممكن أن يحسن الإيرادات المالية، فأرى أن على المؤسسات الإعلامية خوض تجربة مختلفة في تطوير تطبيقاتها الخاصة، وإنشاء منصات بث رقمي لمواكبة التغيرات وتضمن الاستقلالية في توزيع المحتوى بعيداً عن هيمنة منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تتحكم في حركة المعلومات عالمياً، وتنويع مصادر الإيرادات من خلال الاشتراكات الرقمية والإعلانات الموجهة لضمان استدامة المؤسسات الإعلامية في ظل تقلص العوائد التقليدية من الإعلانات المطبوعة أو التلفزيونية. إضافة إلى ذلك، فإن تطوير محتوى أصلي عالي الجودة يعد من العوامل الحاسمة في كسب ولاء الجمهور في عصر المعلومات السريعة والمتغيرة، فمنصات البث الرقمي تنافس التلفزيون التقليدي في تقديم محتوى مخصص ومتنوع يستهدف فئات مختلفة من الجمهور. ومن هنا، فإن مستقبل الإعلام يتوقف على مدى قدرة المؤسسات الإعلامية على تبني الرقمنة والاستثمار في التقنيات الحديثة لتحسين كفاءة الإنتاج والتوزيع وتعزيز تجربة المستخدم، فالعالم يتجه نحو إعلام ذكي أكثر تفاعلاً يعتمد على البيانات والتقنيات الحديثة، ومن يستطيع التكيف مع هذه التغيرات هو من سيضمن بقاءه في المشهد الإعلامي خلال الأعوام المقبلة.