يشهد المشهد الإعلامي الرقمي تحولًا كبيراً مع ظهور الميتافيرس الذي يتيح للمستخدمين التفاعل داخل بيئات غامرة ثلاثية الأبعاد. هذه التقنيات الناشئة تعيد تعريف كيفية تطوير المحتوى، استهلاكه، وتسويقه من الفعاليات الافتراضية إلى السرد القصصي التفاعلي والإعلانات الذكية.

الميتافيرس هو مفهوم يشير إلى عالم رقمي غامر ومتكامل، حيث يمكن للمستخدمين التفاعل، العمل، اللعب، والتسوق داخل بيئات افتراضية غامرة. يعتمد هذا العالم على الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والذكاء الاصطناعي (AI) لإنشاء تجارب قريبة من الواقع. في الميتافيرس يمكن للأفراد إنشاء هويات رقمية والتنقل بين مساحات افتراضية مختلفة مثل مكاتب العمل، القاعات الافتراضية، وحتى المدن الرقمية. يتميز هذا العالم بالاقتصادات الافتراضية حيث يمكن شراء وبيع العقارات الرقمية، الأصول المشفرة (NFTs)، والسلع الافتراضية، مما يعزز من إمكانيات التفاعل والإعلان.

ألغى الميتافيرس القيود الجغرافية، مما مكّن الأفراد من مختلف أنحاء العالم من حضور الفعاليات الافتراضية دون الحاجة إلى السفر، وقد أدى هذا الابتكار إلى زيادة قياسية في معدلات الحضور والتفاعل. ومن أبرز الأمثلة أسبوع الموضة الافتراضي في (Metaverse Fashion Week) الذي جذب أكثر من 100 ألف زائر في عام 2022، بمشاركة علامات تجارية كبرى مثل دولتشي أند غابانا وتومي هيلفيغر مما رسّخ نموذجًا جديدًا للتفاعل الجماهيري.

أحدث تطور المحتوى ثلاثي الأبعاد نقلة نوعية في مجالات الأخبار، الترفيه، ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت منصات الإعلام تعتمد على السرد التفاعلي لتعزيز تفاعل الجمهور وزيادة معدلات الاحتفاظ بالمحتوى، فعلى سبيل المثال، قامت العديد من وسائل الإعلام الغربية بإطلاق نشرات إخبارية مدعومة بتقنيات الواقع الافتراضي، مما يسمح للمستخدمين باستكشاف الأخبار في بيئة 360 درجة تفاعلية.

بحسب دراسة أعدتها جامعة ستانفورد أن السرد القصصي عبر تقنيات ثلاثية الأبعاد والواقع المعزز يزيد من معدلات تذكر المعلومات بين 65 % و70 % مقارنة بالمحتوى النصي، وهو ما يؤكد الأهمية المتزايدة للمحتوى الغامر في الإعلام الحديث، لا سيما وأنه من المتوقع أن ينمو سوق الفعاليات الافتراضية ليصل إلى 297 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي 20 % هذا التحول لا يزيد من انتشار الفعاليات فحسب، بل يجعلها أكثر كفاءة من حيث التكلفة لمنظميها.

وفي المقابل تستفيد العلامات التجارية من الإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في بيئات الميتافيرس، حيث توفر تجارب إعلانية مخصصة عبر اللوحات الإعلانية الافتراضية، والإعلانات داخل الألعاب، والحملات التفاعلية، حيث أطلقت علامات تجارية فاخرة مثل جوتشي ونايكي متاجر افتراضية داخل الميتافيرس، حيث يمكن للمستخدمين شراء مقتنيات رقمية واستخدامها في عوالمهم الافتراضية. كما حققت حملة (Coca-Cola NFT Masterpiece) نجاحًا كبيرًا، ما أثبت فعالية استراتيجيات التسويق في العوالم الرقمية.

ختاماً: لم يعد دمج الفعاليات الافتراضية، المحتوى ثلاثي الأبعاد، الإعلانات الذكية، والمؤتمرات الصحفية التفاعلية مجرد تجربة في الميتافيرس، بل أصبح المعيار الجديد للإعلام الحديث. مع النمو السريع لتبني تقنيات الميتافيرس، سيصبح مستقبل الإعلام، والترفيه، والتسويق غامراً وتفاعلياً وابتكارًا من أي وقت مضى.