عندما أعلنت رؤية 2030 عن عزمها تأسيس اقتصاد وطني قوي، كانت تدرك جيداً ما تقوله، وما تعد به، كما تدرك حجم التحديات التي يجب عليها أن تتجاوزها، وصولاً إلى تحقيق الأهداف المرجوة، وعاماً بعد آخر، أوفت الرؤية الطموحة بوعودها على أرض الواقع، ويشهد على ذلك وتيرة نمو الاقتصاد في العام الماضي (2024) مقارنة بما شهدته السنوات الماضية.
الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة، لتنفيذ برامج وخطط الرؤية، كانت محل تقدير من المواطن في الداخل، ومحل ترقب من المتابع في الخارج، والجميع أكد أن الرؤية الطموحة نجحت في إيجاد اقتصاد وطني قوي، ينمو بوتيرة متسارعة، تبشر بمستقبل مزدهر، متغلباً على كل التحديات الخارجية، وعلى رأسها انكماش الاقتصاد الدولي، على خلفية الاضطرابات السياسية في أكثر من مكان بالعالم، وخاصة بالشرق الأوسط، ويشهد على ذلك، تحقيق الاقتصاد الوطني نموًا بنسبة 1.3 % في عام 2024، متجاوزًا مرحلة الانكماش التي شهدها في العام السابق (2023) في إشارة إلى قدرة الاقتصاد السعودي على إعادة توجيه بوصلته من "الانكماش" إلى "النمو".
انتعاش الاقتصاد الوطني بالعام 2024، لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتاج خطط وبرامج، أوصت بها الرؤية من أجل تحقيق هدف رئيس، وهو بناء اقتصاد وطني، لا يعتمد على دخل النفط، بقدر اعتماده على مصادر دخل متنوعة ومستديمة، ويشهد على ذلك إحصاءات العام 2024، وفيها حقق الاقتصاد نمواً إيجابياً، خاصة خلال الربعين الثالث والرابع من العام نفسه، مدفوعًا بانتعاش الأنشطة غير النفطية، التي سجلت نموًا بنسبة 4.3 % في العام نفسه، بدعم من قطاعات التجارة، والمطاعم والفنادق، إلى جانب الأنشطة المالية والعقارية، وكان لهذا المشهد انعكاسه المثمرة على أداء الاقتصاد السنوي.
الأرقام الإيجابية للاقتصاد الوطني، صنعت الفارق الواضح في الميزانية العامة للمملكة، التي تكشف بجلاء أين وصل الاقتصاد الوطني، فعندما يبلغ إجمالي الإيرادات في العام الماضي 1.26 تريليون ريال بارتفاع 4 %عن عام 2023، ونفقات عند 1.375 تريليون بزيادة 6 %على أساس سنوي، عندما ينمو الإيرادات غير النفطية خلال الربع الأخير من العام نفسه بنسبة 21 %على أساس سنوي، لتصل 132 مليار ريال، مقابل 109 مليارات ريال في 2023، فهذا أكبر دليل على الجدوى من برامج رؤية 2030، وقدرتها على تحقيق أهدافها وتطلعاتها.
وعطفاً على ما شهده العام 2024 من نمو واضح في مسارات الاقتصاد الوطني، تأتي مؤسسة دولية كبرى، بحجم صندوق النقد الدولي، وتُعلي من توقعاتها بشأن نمو اقتصاد السعودية، بنسبة تصل إلى 4.6 % في العام الجاري (2025)، وليس مستبعداً أن يتحقق هذا التوقع، مع انتهاء مرحلة الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية التي جاءت بها الرؤية، وبدء دخولها الخدمة، وبدء الإنتاج الفعلي، وحصد الثمار المرجوة منها، ما يدعم خزينة الدولة، ويتحول عجز الميزانية إلى فائض كبير، يمكن استثماره في قطاعات أخرى، تدر ربحاً وفيراً على الدولة.