ضمن إجراءات الحزم التي نعمنا بها مؤخراً يأتي إجراء مكافحة التحرش كواحدة من خطوات الردع الفاعلة التي آتت أكلها، فأصبح كل قليل أدب أو قليلة أدب لم يحسن أهلهم تربيتهم يحسب ألف حساب قبل أن يقدم أو تقدم على أي فعل يعتدي على كرامة وعرض الآخر لا باللمس ولا بالهمس ولا بالقول ولا حتى بالتلميح برسالة أو التلويح بإشارة، بل أصبح المستهتر أو المستهترة مهما قل حياؤه لا يجرؤ على فعل يخدش الحياء أو يتعارض مع الآداب العامة والقيم والتعاليم الدينية والسلوك القويم.
وفي ظني أن مكافحة التحرش تأتي مع مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في أعلى سلم الإجراءات ذات المردود الكبير على المجتمع والوطن في شكل إصلاح فعال شامل غير مسبوق، نتائجه واضحة وتأثيره جلي، وجميع إجراءات المكافحة الرادعة تتوخى التثبت والدقة والعدل، لذا فمن غير اللائق ولا المنطقي أن يأتي من يبالغ في الحذر والتحذير والتخويف أو التهديد بتهمة التحرش اتقاء لشر لم يكن ليحدث، فقد لاحظت في أكثر من حادثة اختلافاً أو خلافاً بين رجل وامرأة تجارياً أو في حادثة تصادم أو تنازع على موقف سيارة من يتطفل ناصحاً ومحذراً بالقول (اتركها فقد تتهمك بالتحرش!!) وهذا فهم عقيم جاهل وتدخل أقل ما يقال عنه إنه سخيف وينشر مفهوماً خاطئاً، فلا المرأة بهذا الظلم والفجور في الخصومة لتتهم كل من نازعها حقه بالتحرش ولا النظام يسمح لها بهذا الظلم دون تثبت وعقوبة رد اعتبار وبلاغ كاذب تندم عليه، وهذا ما يجب التوعية به إعلامياً عبر كل الوسائل، وعلينا ككتاب رأي وعلى المتخصصين في القانون التركيز على التوعية بهذه الأمور.
كنت في أحد أسواق الديرة وشهدت خلافاً بين كهل أقرب للمشيب مع امرأة حول موقف سيارة تنازعا عليه، وكان الشايب قد سبقها إليه وانتظر طويلاً خروج من كان فيه (حسب إفادة حارس الأمن) وكانت هي تريد الدخول بسيارتها قبله، لكنه سبقها إليه فثار النزاع ليتدخل (ملقوف) بأعلى صوته ناصحاً أمام الجميع يردد (يا رجال طلع سيارتك لا تتهمك بالتحرش وتروح فيها) فلا المرأة كانت تفكر في هذا الأمر ولا النظام سيمكنها من ظلمه، لكن صاحبنا أراد أن يروج لأمر خاطئ.
وشهدت حادثاً مرورياً طفيفاً بين سائق مركبة وسائقة مركبة مقيمة من بلد شقيق، وكان من الصعب تحديد نسبة الخطأ والمسؤولية وقبل أن يحضر مندوب (نجم) أراد متطفل أن يكون نجماً فأخذ يحذر الرجل بأن يميل إلى الصلح وأن لا يدخل معها في خلاف خوفاً من أن تتهمه بالتحرش، وما كانت المرأة لتفعل ذلك وما كان النظام ليقبل تهمة بلا دليل.
كان الشاب يبتز مراهقة بصورة لها يهددها بنشرها، وأصبح اليوم لا يجرؤ على فعل ذلك وكل ما على الفتاة إلا أن تبلغ عنه وسيعاقب على التهديد والابتزاز ولو نشر فسيعاقب عقوبة أشد ردعاً، وقد تبتز فتاة رجلاً بالتهديد بتهمة التحرش ولن يعاقب إلا من أخطأ وثبت عليه الاتهام، لذا علينا أن نقضي تماماً على المفاهيم الخاطئة ومنها إيهام الرجل بأنه قد يبتز بتهمة التحرش وتخويفه بذلك فلا خوف على من لم يرتكب مخالفة ولا جدوى لتهديد من لا يحمل الدليل.