المختصون السعوديون يرون أن الاستهلاك العالي في الشهر الكريم يحفز الاقتصاد، ويعتبرونه مؤشرًا إيجابيًا، بينما ترى منظمة الفاو أن الهدر الغذائي في المنطقة العربية تحول لعادة خطرة، والمفارقة أنه يحدث أكثر في الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر، والناس يخرجون منه وقد راكموا على أوزانهم كيلوغرامات إضافية، ومن غير المستبعد تدهور حالتهم الصحية..
وكالة الأنباء السعودية (واس) نشرت في رمضان 2024، أن الإنفاق في أول أسبوع منه، وصل الى 11 مليارا و700 مليون ريال، أو ما يعادل ثلاثة مليارات و120 مليون دولار، ما يعني أنهم وبافتراض ثباتهم على مستوى الإنفاق السابق، فالمحتمل وصول الإنفاق طوال الشهر الكريم إلى 46 مليارا و800 مليون ريال، أو قرابة 12 مليارا و480 مليون دولار، وبما أن تقديرات استطلاع شركة تولونا ومايتركس لاب، على سلوك المستهلكين السعوديين، تشير إلى أن الإنفاق في رمضان 2025 سيرتفع بنسية 46 % مقارنة بالعام الماضي، فالمرجح أنه سيصل لنحو 70 مليارا و200 مليون ريال، أو 18 مليارا و270 مليون دولار، وهو رقم ضخم بطبيعة الحال، وأتصور أنه لا يقارن محلياً بحجم الإنفاق في بقية شهور العام، ولعله يفسر حرص تجار التجزئة على التخفيضات الموسمية في رمضان، وآخرها ما أعلنت عنه وزارة التجارة السعودية في فبراير 2025، من أنها أصدرت ترخيصا بذلك لما يزيد على ألفي منشأة ومتجر، وأن التخفيضات أو العروض الرمضانية شملت أكثر من مليون منتج، أبرزها؛ الأزياء والأدوات المنزلية والأجهزة الإلكترونية، ومعها المواد الغذائية والعطور.
المملكة قد تكون الأعلى إنفاقا على المستوى الإقليمي في رمضان الحالي، لأنه وعند الأخذ بالتوقعات السابقة، سنجد أنها ربما تجاوزت وبمعدل ثلاثة أضعاف حجم الإنفاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها، استنادا لأرقام رمضان 2022، التي توقفت عند ستة مليارات و200 مليون دولار، فيما يخص مشتريات الإنترنت، بحسب شركة ريد سيير كونسلتنغ للأبحاث.
اللافت أن الدول العربية تشترك في تفضيلاتها الشرائية لشهر رمضان، وهذا الأمر لم يتغير منذ فترة طويلة، بما فيها اعتباره الشهر الأنسب للمشتريات الجديدة بأنواعها، وفي رمضان الجاري سيترفع إقبال السعوديين على التمور بنسبة 45 % قياسا على آخر رمضان، وسيفضل 83 % من الناس الأكل في بيوتهم على المطاعم، ولا يعني ذلك أنهم لن يطلبوه من المطاعم، ما دامت تطبيقات التوصيل متوفرة، فقد أنفق السعوديون على المطاعم والمقاهي خلال رمضان 2024، في حدود خمسة مليارات و20 مليون ريال، أو حوالي مليار و339 مليون دولار، وجاءت كثالث القطاعات إنفاقا.
المختصون السعوديون يرون أن الاستهلاك العالي في الشهر الكريم يحفز الاقتصاد، ويعتبرونه مؤشرا إيجابيا، بينما ترى منظمة الفاو الأممية أن الهدر الغذائي في المنطقة العربية تحول لعادة خطرة، والمفارقة أنه يحدث أكثر في الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر، والناس يخرجون منه وقد راكموا على أوزانهم كيلوغرامات إضافية، ومن غير المستبعد تدهور حالتهم الصحية، والمفروض في الصيام الإسلامي، أو ما يعرف بالصيام المتقطع الجاف، وبشهادة سبع دراسات متخصصة، أجريت ما بين عامي 2002 و2021، أنه يخفض من معدل الأنسولين المسبب لزيادة الوزن، ويرفع من مستوى إفراز هرمون النمو، المسؤول عن بناء العضلات وتناسق الجسم، ويزيد من كفاءة الجهاز المناعي، ويحسن خاصية الالتهام الذاتي للخلايا، لأن الجسم في حالة الصيام، يجبر على حرق الخلايا الهرمة والتالفة للحصول على الطاقة، ويمنع بالتالي تحولها إلى خلايا سرطانية.
بخلاف أن الصيام يساعد في تخليص الجسم من السموم المتراكمة فيه، فالأبحاث تؤكد أن الإنسان يتناول في المتوسط ثمانين كليوغراما من الملوثات سنويا، عن طريق الهواء والماء والطعام، مع ملاحظة أن خفض كميات الطعام لن تضر لأن الجسم يخزن في العادة 150 ألف سعر حراري لحالات الطوارئ، وهذا يمكن الإنسان من الحياة لمدة أسبوع بدون طعام، والمهم باستمرار، وفق أهل الاختصاص، هو السوائل المتوازنة وبمعدل أربعة لترات في اليوم، بجانب المعادن الضرورية، كالصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، لتجنب الإحساس بالجفاف والخمول والتعب أثناء الصوم.
مكتبة الطب الوطنية الأميركية نشرت دراسة قبل عام أو يزيد، وفيها تأكيد على أن المنتجات منزوعة الدسم تحتوي على نسبة سكر تزيد عن المنتجات العادية، لأنها تعوض الدسم المفقود بالسكر، حتى يكون طعم المنتج مقبولا ومستساغاً، والسمنة والبدانة بفعل العادات الغذائية الرمضانية وغيرها سببها سياسات غذائية عامة، أو نموذج معين تم فرضه على الناس، من خلال شركات وإعلانات عابرة للقارات، تتحكم في نوعية ما يتم تناوله عالميا من مشروبات ومأكولات، بما في ذلك اختيارات الأشخاص من الخضروات والفواكه واللحوم، وهم أنفسهم من يقرر التصورات المجتمعية عن الجسم المثالي، وطرق الوصول إليه، عن طريق ماكينتهم الإعلانية والإعلامية الضخمة، وبما يعظم مكاسبهم التجارية، ومن الشواهد أن مركز مكافحة الأمراض الأميركي أثبت بالدليل وجود ارتباط بين زيادة الوزن وقلة النوم، وهذه المسألة لا تدخل في حساباتها العادات الغذائية.. ويبقى أن حالة الإسراف في رمضان السعوديين لا تتوقف عند المنتجات الغذائية أو الاستهلاكية، وتمتد إلى الإفراط في السهر، وفي الأنشطة الليلية، وفي المشاهدة العالية للدراما التلفزيونية، وتبتعد عن خصوصية وروحانية الشهر الفضيل، قبل الفضائيات والسوشال ميديا.