كانت نيسان تعاني الأمرين عندما تولى كارلوس غصن قيادتها. ولكن وبفضل الكثير من القرارات الحازمة والتخلص من المشاريع الخاسرة بما فيها إغلاق المصانع وتسريح الموظفين والتركيز على المنتجات التي تخلق فرصاً تجارية استطاعت نيسان أن تصبح واحدة من أكثر الشركات نجاحاً في التحول إلى الأرباح في اليابان وعالمياً. وصل الأمر برئيس وزراء اليابان الأسبق كويزومي جونئيتشيرو أن يطلب الاجتماع معه ويستلهم من تجربته في إطلاق مشروعه للإصلاحات الهيكلية في الأنظمة الحكومية والاقتصاد الياباني. وقت دراستي في اليابان كان غصن يضرب به المثل في النجاح القيادي والإداري. ولكن لم تكن نهاية تلك القصة سعيدة بعد المشاكل التي طرأت وإجراءات التحقيق مع غصن من السلطات اليابانية وقصة الهروب الدرامية من اليابان والقضايا التي ما زالت مرفوعة ضده.
ما يهمنا هو أنه بعد رحيل كارلوس غصن تدهورت أوضاع شركة نيسان وأداؤها المالي لتغرق في الخسائر مجدداً بعد أن تركها وهي واحدة من الشركات الناجحة والرابحة. يستشهد البعض هنا بأن هذا دليل كبير على أن رحيل شخص واحد يمكن أن يؤثر بقوة على مستقبل المنظومة سواء كانت شركة أو في القطاع الحكومي وغيره.
في الواقع لدي وجهة نظر مختلفة، وبعيداً عن القضايا بين غصن والسلطات اليابانية والتي ليست محل النقاش هنا، فهل كانت كل نجاحات نيسان في تلك الفترة بسبب كارلوس غصن وحده؟ أذكر وأنا طالب في الجامعة حديث أحد نواب غصن السابقين في نيسان وهو يقول لنا في محاضرة الكل عمل وساهم في هذا النجاح. لاشك أن القائد دوره مهم وبارز ولكن اليد الواحدة لا تصفق. في الواقع مع التغيرات الكبيرة التي تحصل في القطاعات المختلفة حول العالم فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن نيسان كانت ستواصل نجاحاتها كما هي لو استمر غصن في قيادتها. وفي عالم كرة القدم كثيراً ما تجد مدرباً أو لاعباً يبدأ بنجاحات وسنوات ذهبية تعقبها إخفاقات وانخفاض في المستوى والنتائج.
ذكرني ذلك بقصة حصلت في نادي برشلونة عندما لعب الفريق الأساسي ضد فريق الشباب. وكانت صدمة كبيرة لمدرب الشباب جوارديولا بسبب انخفاض لياقة نجم الفريق الأول واللاعب المشهور عالمياً رونالدينيو. بعد فترة عرضت إدارة النادي على جوارديولا أن يتولى مهمة تدريب الفريق الأول. وتفاجأت الإدارة بجوارديولا يوافق لكن بشرط إنهاء عقود رنالدينيو نجم الفريق الأول، ديكو لاعب الوسط العالمي، وإيتو المهاجم الدولي وهداف الفريق. كان هؤلاء الثلاثة هم عماد الفريق الأساسي الذي حقق أكثر من بطولة. ولكن الإدارة وافقت وتم إنهاء عقودهم ليبدأ العصر الذهبي في نادي برشلونة مع ميسي وتشافي ورفاقهما.
باختصار، هنالك قادة استثنائيون وموظفون لا يتكررون ويسهمون بفعالية في نجاح منظماتهم، لكن مهما حققوا من إنجازات فليسوا ناجحين إذا كان العمل قائماً على المركزية المبالغة فيها ولا يسير شيء بدونهم.
وسيظل تقييم أدائهم ضعيفاً إذا فشلوا في صناعة قيادات من بعدهم تتفوق عليهم. إذا انهارت منظمة وضعف أداؤها بعد مغادرة قائد مميز، فالمشكلة قد لا تكون في مغادرة ذلك القائد، بل في التأخر الشديد في اتخاذ قرار حاسم وحارق في ضرورة إبعاده إذا وصل ذلك القائد بفكره القديم وأسلوب إدارته لمرحلة تعوق تطور المنظومة وقدرتها على التكيف والمنافسة في عالم يتغير بسرعة...