لا أجد غضاضة في العودة بين الحين والآخر للكتابة عن مدننا وقرانا في وطننا العظيم، خاصة تلك المنتشية بجمال الربيع وبهائه، لكن هناك ما يشدك أكثر خاصة إذا كانت مرتبطة بكل شيء جميل في حياتك.. هنا لن تمنع الشوق واجترار ذكريات لتلك المثيرة التي أرادت أن تكون الأجمل في كل شيء حتى وإن استسلمت للعمران المتسارع.

هذه المدينة الجميلة التي تسترخي بوقار على جبل طويق، معلنة نهاية مشواره الطويل بغرس أنفه في الرمال.. وفق مشهد وكأن هذه الرمال ذات حياة حينما اعتلت الجبل ونثرت حبيباتها الحمراء فوق جبهته.. لينحني متسامحا مع الشقراء التي حملت اسم الزلفي.. ولكن لم يكن ذكر طويق عابرا لاسيما وأنه الرمز الذي استشهد به قائد الرؤية السعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ليكون ليس مجرد جبل بل كيان عظيم أعاد قائد الرؤية اسطورته ليكون رمزا من رموز رؤية 2030 لتتجدد الأمثلة وروائع الشعراء، "ولو أن قلب طويق باح بسره .. لم يَعْدُ ما هو شَفَّ عنه مجلجلا".

مع خليلها طويق.. أفاقت الزلفي من السبات وتمددت سادلة أطرافها بين الرمال الجميلة، بصدر مفتوح يتنشق العليل الجميل ويستقبل الشمس المشرقة.. وكأنها عاصمة النور والنسيم العليل القادم من رياضها العطرة.. مدينة لا تعرف التثاؤب تهب منتشية بالعمل الجميل الذي قدمته لوطنها وأمتها.. لا تتوقف عن ذلك لتتجاوز فيه لتكون حاضرة فاعلة في كل يوم ومع كل اشراقة، من خلال أبنائها الذين حملوا ألقها فحق لهم أن يكونوا حاضرين في مقدمة الصفوف.

هذه المدينة يفوح منها عبق التاريخ الجميل المضيء الذي منحها خصائص في شتى المجالات، وفي كل ما يخص الحياة من الثقافة والسياسة والأدب والفن، وكأنها حاضنة مناشط متفرقة ومختلفة، لم تنكفئ على نفسها بل امتد عطاؤها وسخاؤها لتشمل كل الامتدادات من حولها الكويت والعراق والشام شمالاً ودول الخليج شرقاً.

كان التميز عنوانا لأبنائها لتكون نجابتهم قائدا لهم نحو أعلى المراتب فكان رجل الاقتصاد الوزير عبدالله الطريقي على رأس أول وزارة للبترول في السعودية، وأحمد الناصر الشايع الشاعر الأبرز الذي لا يقارع في ميادين الشعر الشعبي، وعبدالرحمن المنصور أول من أطلق الشعر الحديث في الجزيرة العربية، وعثمان العمير الصحفي العربي الأبرز خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات الميلادية، والوزير سعود العصيمي الذي قاد السياسة الخارجية لدولة الكويت خلال حقبة زمنية ليست ببعيدة وغيرهم الكثير والكثير الذين يصعب حصرهم عبر أسطر قليلة.

شخصيات هذه المدينة البارزة كثيرة والفاعلة منها متميزة وظاهرة، لكن ما لا يختلف عليه فيها وعنها الكرم والطيب والشهرة العطرة بأخلاق أهلها وناسها.. وكأن شاعرها عبدالله الدويش قد أجاد كثيرا بوصف هذه المدينة المعنية بالكرم وحسن استقبال زائريها:

أظن ما يحتاج ناصف لك الدار

ماقف طويق حي هاك الديارا

والزائر للروضة البكر "السبلة" لن ينفك من الشعور بالسعادة من فرط كونها مزهرة وغنّاء وسط المكونات الصحراوية التي تعيشها نجد.. لينعم بعبقها البكر من تلك الأرض الرائعة التي تم تصنيفها كأجمل ما عرفته منطقة نجد من الرياض المزهرة، وللرمال عشق يعطيها خصوصية، لأن في نفود الثويرات ما يجلي الكدر عن النفس المتعبة.. ولا غنى عن شموخ جبل طويق وحدائق سمنان وشلالات مرخ.. ولن ننسى بحيرة (الكسر) التي قل نظيرها حينما تستقبل الأمطار تمتد بامتداد النظر لترسم لوحة جميلة خلابة بين الرمال والتلال كأجمل ما يكون.

أهم القول أن زيارة لهذه الجميلة الحالمة جدير أن يرسخ معالمها في ذاكرتك، ويزيد على ذلك أن يعمق صلتك بها، لأن العلاقة مع أبنائها سهلة يسيرة لا تحتاج إلى رسميات أو أبواب لكي تبدأ، بل هي مفتوحة باتساع السماء، فمثلما تجد الجمال في زهورها ورمالها وسنابل الورد البري وجبلها الشامخ الذي يحميها.. ستجد بشاشة الوجه وطيب المعشر وحسن الخلق.. فهي تزداد حسنا عاما عن عام من فرط برّ أبنائها بها.