مَنْ يشاهد الغثاء الرقمي لدى البعض في إظهار صور سلبية عن الوالدين من خلال استغلالهما بجعلهما محتوى تواصليًا يبث وينشر بلا وعي وإدراك سواء قصدًا أو سهوًا، وافق الوالدان أم لم يوافقا؛ كل ذلك هو تشويه حقيقي يصب في مصب الاستنفاع الرخيص، فكيف بفرد عاقل يدرك قيمة عبادة ومكانة بر الوالدين ويتجه بهوى لكسب متابعين، وجذب مشاهدين، وهوس بالوصول «ترند» فقط بلا مروءة..
تشير عبادة بر الوالدين إلى مفهوم أخلاقي عريق ومهم نشأ في الإطار الإيمانيّ الموجه بقوة الذي دعا له الشرع في نصوص قرآنية ونبوية كثيرة يدركها ويعرفها الكل فهما ووعيا.
الوالدان لهما مكانة ومقامٌ وشأنٌ يمثل قيمتي البر والطاعة ويبقى الولد قاصرا عن إدراك فضلهما، ومنحسرًا عن تصوير جلالهما وحقّهما عليه، وكيف لا يكون ذلك وهما بعد الله عز وجل ومشيئته وتقديره سبب وجودنا، وعماد حياتنا، وركن البقاء لنا.
إن واقع البر بالوالدين المفروض يؤكد على احترام الأبناء ورعايتهم وإخلاصهم لهم، ولا شك ان لهذه العبادة تأثيرا عميقا على الرفاه الذاتي، والرضا النفسي في سياق مجريات الحياة بما فيها من متغيرات سريعة، ويجسد بر الوالدين تجليات عظيمة ومفاهيم مثل الاحترام المستمر لسلطة الأب، وتأثير الأم، وتعزيز شرف الوالدين، ومعاملتهما بما يستحقان تحت أي ظرف من الظروف؛ والتخلي عن الطموحات الشخصية لتحقيق رغبات الوالدين.
الحقيقة أن الوالدين بذلا كل ما أمكنهما على المستويين المادي والمعنوي لرعايتنا وتربيتنا، وتحملا في سبيل ذلك أشدَّ المتاعب والصعاب والإرهاق النفسي والجسدي، وهذا البذل لا يمكن لشخصٍ أن يعطيه بالمستوى الذي يعطيه الوالدان، لهذا فقد اعتبر الإسلام عطاءهما عملاً جليلاً مقدَّسًا استوجبا عليه الشكر وعرفان الجميل، وأوجب لهما حقوقًا علينا لم يوجبها لأحد على أحد إطلاقًا، حتى أن الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا".
ما دعاني حقيقة لاستمطار تلك الخواطر المعلومة لدى الكثير هو لفت الانتباه، والتذكير بقيمة هذا الأمر لمن وطأته الغفلة فأبحر في عتمة النكران، وغياهب السفاهة بإهماله تلك العبادة وعدم العمل بماهو واجب مستحق، فمن يشاهد الغثاء الرقمي وهذا السقوط التواصلي لدى البعض في إظهار صور سلبية عن الوالدين من خلال استغلالهما بجعلهما محتوى تواصليا يبث وينشر بلا وعي وإدراك سواء قصدا أو سهوا، وافق الوالدان أم لم يوافقا كل ذلك هو تشويه حقيقي يصب في مصب الاستنفاع الرخيص، فكيف بفرد عاقل يدرك قيمة عبادة ومكانة بر الوالدين ويتجه بهوى لكسب متابعين، وجذب مشاهدين، وهوس بالوصول "ترند" فقط بلا مروءة.
تشاهد أحدهم يصور والده أو والدته ويسألهما أسئلة خاصة أو يحاورهما في تفاصيل محرجة قد لا تليق بالنشر ويبرزها ضاحكا ويستمر على صناعة هذا المحتوى من تصوير دائم وكلام قاتم مع أحد والديه فيظهران للناس من خلال حديثهما حتى وإن ضحكوا في أدنى المستويات وأرذل المقام.
وكم يسوء ويتعب قلب المتلقي الواعي ذلك الأب الذي لم يجد طريقة ليبث شكواه ولومه على قطع رحمه وعدم صلة أبنائه به وإهمالهم له بعدما بذل الكثير، أو تلك الأم المكلومة التي تبكي عتبا على إهمال بناتها لها.
حقيقة مؤلمة أن تذوب قيمة المروءة، ومكانة البر في أوعية الأهواء والسخرية وفقدان الإحساس أن ما تتم ممارسته هو سوء فوقه شر، وواقع مبكٍ أن يصل حال البعض إلى تقديم الأرباح والمكاسب التافهة من محتويات يتم صنعها من ومع الوالدين والاستهزاء بهما أدركوا أم لم يدركوا.
وحقيقة أن ما يربحه العاق من محتوى والديه المبتذل هو في حقيقته خسارة عظيمة له لأنه جعل من والديه سلعة وبضاعة مزجاة يتلاعب بقيمتهما لأجل غايات وأهداف بائرة.
ويبقى القول: علينا إدراك أن أعظم رفع هو رفع الكفين بدعاء الله عز وجل، وأن أجّل خفض بعد السجود هو خفض جناح الذل من الرحمة، وعلينا أن نوقظ قلوبنا ونعيد حساباتنا، ونراجع إيماننا لندرك أن برّ الوالدين هو إحسان الأبناء لأبويهم قولاً وفعلاً، بإحسان العشرة معهما، ولا يعني أن يكون أحدهم منغمسا في الهوس الرقمي أن يعبث بقيمة هذه الطاعة ويستغل شخصين لهما مقام جليل عبر بث مقاطع ومنشورات تواصلية يكون همه ماذا سأربح حتى وإن ضحكوا على أبي وأمي.