تقلّب حضور شهر الصوم في كتب اللغة بين المثال وشرحه، ففي (كتاب) سيبويه (180هـ) نجد مثلاً هذا النص: «ومما أُجري مجرى الأبد، والدهر والليل، والنهار: المحرم، وصفر، وجمادى، وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة؛ لأنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام، كأنهم قالوا: سير عليه الثلاثون يوما. ولو قلت: شهر رمضان، أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة، والبارحة، والليلة..». وفي كتابه (الأصول في النحو) يقول ابن السراج (316هـ): «وربما كان الظرف ظرفاً، والعمل في بعضه لا في كله، نحو: آتيك يوم الجمعة، وإنما تأتيه في بعضه لا كله، كذلك آتيك شهر رمضان، وكل ما كان في جواب (متى) فعلى هذا يجيء».
وقد يُتوسع في الشاهد الرمضاني قليلاً على نحو ما صنع المبرّد (285هـ) في كتابه (المقتضب)، عندما قال: «فإن قيل: لم لا تقول هذا زيد يوم الجمعة؟ وهذا زيد شهر رمضان؟ فتعمل التنبيه، قيل له: إذا كان الظرف من المكان لم يمتنع من شيء من الأسماء؛ لأنها تفيد فيه معنى، وذلك أنك إذا قلت: زيد عندك، أو في دارك، أو بالبصرة، فقد أفدت فيه ما قد كان يجوز أن يخلو منه». وفي موضع آخر يقول: «وكذلك الشهور، تقول في المحرم: محيرم، تحذف إحدى الراءين حتى تصير على مثال: جعفر، فإن عوضت قلت: محيريم، وفي صفر: صفير (...) وفي شعبان: شعيبان، وكذلك رمضان: رميضان، وفي شوال: شويويل؛ لأنه فعال..».
وقد يرد ذكر رمضان عند النحاة في سياق حكائي، كما في كتب الأخبار النحوية، وقد لمحنا ذلك مثلاً في كتاب (أخبار أبي القاسم الزجاجي) (ت 337هـ)، حيث نجد هذا الشاهد مثلاً: «أخبرنا اليزيدي قال: أخبرنا عمي الفضل بن محمد عن أبي محمد ابن المبارك اليزيدي قال: كنا ليلة ببلد مع المهدي في شهر رمضان، قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، فتذكروا ليلة عنده النحو والعربية..».
على أن رمضان قد يكون مسألة نحوية في حد ذاته، لكنه قد يكون عابراً كما أسلفنا آنفًا، وعلى نحو ما صنع أبو علي الفارسي (377هـ) في كتابه (الإيضاح العضدي)، حينما قال: «فلما اجتمعا في هذا المعنى اجتمعا في تعدي الفعل إلى جميع ضروبهما، وذلك قولك: قمت يومًا وليلة، وسرت الليلة التي عرفت، وقدمت شهر رمضان، وخرجت غدوة، وأقمت شهرًا، وانتظرته حينا». وعلى نحو ما فعل أبو الفتح ابن جني (392هـ) في كتابه المعروف (الخصائص)، عندما توسع قليلاً في المثال في قوله: «ألا تراك لو قلت: كالضارب زيد جعفراً، وأنت تريد: كالضارب جعفرًا زيد لم يجز؛ كما أنك لو قلت: إنك على صومك لقادر شهر رمضان، وأنت تريد: إنك على صومك شهر رمضان لقادر، لم يجز شيء من ذلك..».
على أن المسألة النحوية (الرمضانية) قد تكون أكثر طولاً عند بعض النحاة، كما عند أبي القاسم السهيلي (581هـ) مثلاً في كتابه (نتائج الفكر في النحو)، إذ نجد فيه هذا النص: «كقولك: المؤمن يصوم رمضان، فهو معرفة؛ لأنك لا تريده لعام بعينه، إذ المعنى: يصوم رمضان من كل عام على التمادي، وذكر الإيمان قرينة تدل على المراد، ولو لم يكن في الكلام ما يدل على هذا لم يكن محمله إلا على العام الذي أنت فيه، أو عام تقدم له ذكر».