كان اجتماع رئيس الولايات المُتحدة ورئيس أوكرانيا، اجتماعاً مُختلفاً ومبتكراً كما لو كان من صنيعة الذكاء الاصطناعي، اهتز العالم إثره اهتزازاً اقتصادياً وسياسياً، ومجتمعياً فالانقسام كان واضحاً في وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد لطرف على آخر، وما بين من يراه مجرد مشهد تمثيلي قد يتكرر في لقاءات البيت البيضاوي، لقد كان الرئيس ترامب يرغب في تنفيذ صفقة اقتصادية بحتة تضمن مصالح الطرفين، بينما الرئيس الأوكراني يرغب في أن تشمل الصفقة الاقتصادية عناصر تأييد سياسية ودعماً عسكرياً وضمانات أمنية.
ما يُهم الرئيس الأميركي استعادة ما تم دفعه سابقاً للاقتصاد الأميركي بغض النظر عن التكلفة الحقيقة والتي تتراوح من 100 مليون حتى 350 مليون دولار أميركي مع تحقيق مصالح اقتصادية مستقبلية للطرفين، أما مسائلة الحماية الأمنية فهي شأن أوروبي بحت -وهذا ما أشارت له مادتان ضمن مواد الاتفاقية-، كما كان الرئيس ترمب حريصاً على أن تكون الملكية الأميركية في الصندوق بأقصى قدر تسمحُ به الأنظمة في الولايات المتحدة الأميركية، وأن يكون تقدير الــ50 % من الصفقة بحوالي 500 مليار دولار أميركي من الموارد المعدنية الأوكرانية.
الجانب الأوكراني، يحرص كثيراً على الضمانات الأمنية الصريحة في الصفقة، بينما أشار الجانب الأميركي بأن وجود عمال أميركيين يعملون هناك يُعد ضماناً أمنياً تلقائياً، ودعماً أميركياً للحصول على بناء وسلام دائم. هذه الصفقة ليست وليدة وصول الرئيس ترمب للبيت الأبيض، ولكن تم تقديمها العام الماضي -وذلك على لسان الرئيس الاوكراني نفسه-، حيث يرغب الجانب الأوكراني أن تجُب هذه الصفقة الديون المستحقة على أوكرانيا من الجانب الأميركي، مع عدم قبول للقيمة التقديرية للثروة المعدنية (500 مليار دولار أميركي)، والذي يرى فيها الجانب الأوكراني أنها مُكلفة جداً على أجيالهم القادمة.
يتضح جلياً، أن هناك عدم اتفاق على الضمانات الأمنية الصريحة، وعلى القيمة التقديرية للصفقة من الثروة المعدنية التي ستكون على الجانب الأوكراني، وتقدير الديون والمساعدات خلال الفترة السابقة، كما أن الدور الأوروبي مُمثلاً باتحاده وقواه العظمى وبريطانيا، لا يزال غير مؤثر بشكل كبير في سير التفاوض أو حتى تخفيف احتدام الصراع، إن نهج الإدارة الأميركية الحالية وحتى الإدارات السابقة التي لا تريد التدخل والحماية الأمنية المباشرة -المتوسطة وطويلة الأمد- تحديداً بعد ما حدث في أفغانستان والعراق.
صفقة المعادن مهمة للصناعات التكنولوجية المتقدمة لكافة الدول، فالجانب الأميركي يملك القوة التفاوضية الاقتصادية والتكنولوجية أمام الجانب الروسي، ولديه التقارب الاقتصادي والسياسي مع النظير الأوروبي، كما أن الضرر أو المنفعة للجانب الأميركي ستكون بلا شك أقل منها للجانب الأوروبي، لذا فإن انفراج الأزمة أو احتدامها يعتمد على القاعدة التفاوضية للأطراف أو كما أسماها الرئيس ترمب (Cards)، وكذلك المنصة المناسبة لهذا التفاوض، وهو الدور الذي تقوم به السعودية بكل اقتدار من خلال السعي الدائم لإحلال السلام الإقليمي والدولي، والحرص المتواصل على تغليب العقل والمصالح الاقتصادية المتبادلة، صفقة المعادن أثبتت للعالم كافة المعدن الأصيل للمملكة وثبات مواقفها في كافة الأزمات.