في الوقت الذي تقطع فيه الدراما السعودية خطوات لافتة في الإنتاج والحضور، تستمر موجات الانتقاد التي تكون موضوعية ومهمة في بعض الأحيان، ومجحفة ومحبطة في الأغلب. وبلا شك إن العمل الذي لا يتعرض للانتقاد لن يتطور، لكن من المهم أن نفكر جيداً كيف ننقد؟ ومتى؟ وما إطار هذا النقد؟ شخصياً لا أتوقف عن مشاهدة أو متابعة شيء في بعض الأشهر الروحانية كشهر رمضان الكريم لمحاولة البقاء قدر الإمكان في حالة من الصفاء والسكينة والتأمل، والفن التجاري في مجمله يتنافى مع فكرة الهدوء فهو في الغالب يهتم بجذب أكبر قدر ممكن من المشاهدات، وهو بلا شك حق مشروع لمن يتخذون الفن كصنعة لا هواية، ومع تصاعد الشخصيات المهنية والاحترافية في الساحة الفنية يبدو أن البعض لم يعجبهم ذلك، وبدلاً من النظر للصورة الأكبر وهي أن الفن سفير المجتمع السعودي، باتت الساحة الفنية ساحة صراعات ليس بين الجماهير والنقاد فقط بل انخرط الممثلون أيضاً ولم يترددوا بتوظيف جماهيريتهم في استقطاب الأصوات والناس. وكل ما سبق بنظري مثل لوحة بازل تحتاج الكثير من الذكاء لتكتمل.
الدراما بنظري ليست بالحجم الذي يعول عليه في التغيير الاجتماعي بل كثيراً ما يتم مطالبة الأعمال بتمثيل المجتمع والأفراد ولا أظن أن هذا أمر منطقي، فالفن في أطواره لا يحتمل أكثر مما يتصور الناس، والمبالغات سواء بالتعويل عليه أو حتى التذمر منه لن تخدم أحداً. ناهيك أن المتابع السعودي اليوم لديه ذائقة غير عادية ولا يقبل الدروشة والأعمال الفارغة، المشاهد أيضاً الذي من مواليد الألفية وهم شريحة كبرى في المجتمع يصعب جذبهم للدراما الناطقة بالعربية، فهؤلاء تشربوا الفن الغربي والشرقي بمختلف لهجاتهم. وأجد أن الأعمال التي استعانت بعقول عالمية ومختلفة نجحت كثيراً محلياً لأن الشارع السعودي ببساطة خبير ومطلع ومحب للفن. وقد تجد أن الكثير من الدراما تتزامن مع عرض الدراما، وقد تصل لحد الغضب والاختلاف بين الناس.
الكثير من النظريات الوردية التي تدعي أن الفن يهذب النفس ولو كانت هذه الفكرة صحيحة كيف يمكن أن نفسر ارتفاع الجريمة في دول الفن هوليود وبوليود وغيرهما؟ الفن الحقيقي هو الذي يخلق قصصاً تستحق الاستماع والمشاهدة، فالمشاهد يريد رؤية شيء يطمئن قلق الأسئلة في عقله. لعل المسلسلات المصرية هي التي لا زالت تغرد خارج السرب عبر تقديم قضايا نفسية ملحة وأشكال مختلفة للوعي الصحي والنفسي، كذلك القضايا الاجتماعية والرياضة وغيرهما. وتستمر بعض الإنتاجات الخليجية بتصدير الصراخ والأنماط الهستيرية والعلاقات غير الآمنة، لعل الإنتاج السعودي كان له الحضور الأبرز عبر العديد من الأعمال لا يتسع المكان لذكرها، وهذا أمر لافت ومهم، فكلما زادت التقنيات والأدوات التي يستخدمها المنتجون نضجت الأعمال وتفوقت.
نأتي لنقطة البداية، الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة. نعم نحن لا نزال بحاجة ماسة لتمكين الكتاب ودعمهم سواء كتاب الفن أو الصحافة وغيرهما، ولا يزال أمامنا الكثير من الوقت لنعمل بجد، بكل حال إن عدد المشاهدات له قوته، فاحرص إن كنت تعتزم الكتابة ودخول السوق أن تفكر أيضاً بجسرك للجماهير ومنصة التواصل، وألا تقف على أفكار عقلك لكن شاهد وتأمل وتعلم.. دمتم بخير.