يوم أو يومان ونودّع الشهر الكريم سائلين المولى عز وجل أن يجعلنا من المقبولين فيه، وأود الإشارة إلى أنني كتبت من قبل حول ما نتلقاه خلال شهر رمضان من مواعظ وتوجيهات هدفها تعظيم هذا الشهر واستثماره فيما ينفعنا، ولا شك بأن من يقرأ القرآن الكريم، يجد أن العمل والخير والتقرب إلى الله سبحانه بالأقوال والأفعال في كل وقت وزمان، وليس محصورًا بشهر دون غيره.. قد يكون لرمضان خصوصية التنزيل والتراويح والقيام، لكن هذا لا يجعلنا نهمل كل الشهور ونستهدف رمضان فقط؛ ففرص الخير والعبادة لا حصر لها؛ فحسب التقويم الهجري فلدينا 55 يومًا غير الأيام العشرة التي نتحرى فيها ليلة القدر، ولدينا 360 يوماً غير الليالي الفردية التي يتوقع أن يكون إحداها بإذن الله ليلة القدر، فحريّ بنا اغتنامها صدقة وعبادة ورجاء وتأمُّل ونزيد اعتكافًا ودعاء وقرآناً متّصلًا خلالها، وبعدها أيضًا.

رمضان شهر مبارك وفضيل وليلة القدر أعظم ليلة وكل يتمناها، لكن ما نلحظه استهداف البعض لهذا الشهر، وتجاهل باقي العام، وهو ما جعل البعض يتصور أن العبادة والرجاء والقرآن في رمضان فقط، وهنا تبرز أهمية دور دعاتنا ومشايخنا وقادة العمل الدعوي بأن يصححوا تلك المفاهيم والتأكيد على أن العمل والخير والتقرب إلى الله مندوب إليه في كل الأوقات، وليس في شهر رمضان الكريم، وأن الدين المعاملة وحسن الخلق، وكذلك التصدّق بما تجود به أنفسنا متى ما سنحت الفرصة وليس حصرها في شهر رمضان كما يقول أحد الدعاة المشهورين -قبل أيام-: تصدق كل يوم بريال خلال العشر الأواخر لتضمن أن صدقتك مقبولة.. وهل هذا يعني أن صدقته في غير ليلة القدر غير مقبولة، وإن كنت لست ضليعًا فقهيًا، لكن منطقيًا وإنسانيًا في ذلك جور على الأيام الأخرى من السنة؛ فالله يعبد في كل وقت وكل حين حتى أيام الأعياد والفرح والأحزان ومن بطن الحوت وفي السموات السبع والأراضين السبع.

هناك ممن لم يحسن نقل الرسالة الأخلاقية العظيمة التي يقوم عليها الإسلام كدين عمل وعبادة وخلق رفيع طوال العام، ونسأل مثل هؤلاء بأن هناك من يعبد الله تعالى في رمضان ظنًّا منه أنه شهر قبول الأعمال وشهر العبادة والطاعات أما بعد رمضان فلا، فهلا أسعفونا لكي نصحح هذا المفهوم؟ ومن جراء ذلك، لن أخجل كي أقول إن هناك من يحصر زيارته للمساجد والعبادات واجتناب النواهي خلال رمضان، ويعود إليها بعد انتهائه، ولسنا في محل تقييمهم ولا يجوز لنا عتابهم بل نثني عليهم ونشجعهم لتواضعهم بين يدي الله ولو شهرًا واحدًا في السنة ولعله يكون بداية خير عليهم.

السؤال الأهم في هذا السياق: هل ما يحدث خلل في الناس أنفسهم.. أم خلل في الرسالة التي تصلهم من البعض؟ وهل هذا مبني على نوع من «ترسيخ العبادة الوقتية» وإهمال غيرها، ومن الخطأ ربط العمل كله بليلة القدر وحصره في المسجد خلال رمضان فقط، علينا مخاطبة العقول خصوصاً النشء والشباب بأن رضا الوالدين وترك المحرمات وحسن الخلق سبيل إلى القبول من رب العالمين، وليس ربطها بصدقة وصلاة فقط خلال أيام رمضان.