استعارة مقولة شعبية وتوظيفها فنيا أمر جدير بالتوقف والقراءة النقدية المنطلقة من عتبة البرنامج الأولى «العنوان». هذا التناص الذي وظف الجملة كما هي «مالك بالطويلة» في برنامج ثقافي يعطينا مؤشرات على طبيعة المحتوى ونفسية القائم على هذا الاختيار، فالفكرة مبنية على الحكاية في شكلها الإعلامي، وصاحب الفكرة يتكىء على رؤية مرتبطة بالثقافة الوطنية المحلية وينطلق منها إلى أبعاد إعلامية ثقافية متعددة.
ولعلي لا أبالغ عندما أقول: إن مثل هذه البرامج تشكل أحد روافد التنمية المعرفية والثقافية بأطرها وأشكالها المختلفة، ففي هذا البرنامج تأتي كل حلقة لتضيف للمشاهد مادة مفحوصة الأبعاد ومعدة باحترافية عالية، فتمنحه –أي المشاهد- معرفة، وتوسع من مداركه الثقافية وتغذي تصوره لمتغيرات الحياة من خلال قالب ثقافي تشويقي، وبقدرة على تقديم معلومة رصينة موثقة مكثفة.
«مالك بالطويلة» التي نعرفها جيدا في بيئتنا الثقافية المحلية بكل أجيالنا على ما أعتقد؛ جملة اعتراضية ذاتية يقولها المتحدث الذي يسرد خبر ما أو قصة أو موقف ليؤكد للمستمع أو المستمعين من حوله أو من خلال اتصال أنه لن يطيل عليه أو عليهم وسيختصر حفاظا على وقتهم أو ليعطي فرصة لغيره تأدبا مع الجالسين فلا يستأثر بالحديث دونهم.
هذا الرسم للعنوان يأخذني إلى عنوان آخر، وهو «خلدونيات» للبروف خالد الشريدة أستاذ علم الاجتماع الذي جاء محتواه على شكل تغريدات ثم خرجت في كتاب من عدة أجزاء، فالعنوان في ظاهره يشير إلى ابن خلدون لأن المادة تحت هذا العنوان مرتبطة بالمجتمع وتدور في فلكه على شكل فلسفة اجتماعية عميقة من أجل حياة مستقرة سعيدة، ولو حللنا العنوان لوجدنا أن البروف الشريدة وظف كل أدوات العنوان لتحمل جميع الدلالات الممكنة فهي تشير إلى بن خلدون عالم الاجتماع العربي ضمنيا بينما هي في الحقيقة تشير إلى البروف خالد نفسه فخلدونيات من خالد، وهذا تعامل ذكي مع أهمية العنوان، وفي عنوان «مالك بالطويلة» يأتي العنوان وفق فكرة قريبة فمالك هو اسم معد البرنامج «مالك الروقي». هذه العناوين الذكية إذا حللناها وفق منهج التحليل النقدي النفسي نجد أنها أكثر قربا من معدها فهي جزء من ذاته، ومن هويته، ومن ثقافته، ومهنته، فيكون عمله على تجويدها والعناية بها في أعلى مستوى، وهذا نابع من الشعور ومن اللاشعور، فيعتبر الاهتمام بها اهتمام بذاته المتمثلة في اسمه وهويته العلمية والثقافية والإنسانية، فإذا ما حللناها سريعا بشكل يرتبط بطبيعة اهتمام كل منهما وتخصصه، فالشريدة يمكن أن نحلل عنوان مادته إلى ذاتي، اجتماعي، علمي، وفي حالة مالك؛ ذاتي، ثقافي، إعلامي.
كان موضوعنا الأساس «مالك بالطويلة» ومالكم بالطويلة، فكل ما أردنا قوله إننا أمام نموذج لبرنامج جدير بالتقدير والمتابعة أخذنا الحديث عنه إلى استحضار مادة خلدونية جديرة بالإشادة والثناء.