أبدع الشعراء منذ القديم في وصف الهلال، فقال ابن المعتز (296هـ): «وانظر إليه كزورق من فضة / قد أثقلته حمولة من عنبر»، وعندما وصف ابن حمديس الصقلي (527هـ) هلال رمضان أشار إلى معنى دقيق، فمنح الهلال وصفاً بلاغياً شائقاً، عندما قال: «قلتُ والناس يرقبون هلالاً / يشبه الصبّ من نحافة جسمه = من يكن صائماً فذا رمضا / نُ خطّ للورى أول اسمه»، يعني بذلك رسم حرف الراء الذي يشير إلى البداية، كما هي بداية أول كلمة من رمضان، وهكذا كان الشعراء يستلهمون كثيراً من المعاني والأخيلة من خلال نظرتهم إلى الهلال، ومن هنا أضحى الهلال علامة سيميائية بارزة في كشف كثير من المعاني والدلالات، سواء أكانت وقتية زمنية تشير إلى تغير الأيام، وتبدّل الأوقات، أم معنوية نفسية ترمز إلى العواطف، والمشاعر.

ولئن كان رمضان -كما يقول الدكتور علي الجندي في كتابه (رمضان في الأدب)-: «مرموق الطلعة بين الشهور العربية، سني المنزلة في الشريعة الغراء، عظيم الحرمة في نفوس»، فإن الشعراء قد أبدعوا في وصف استقباله، وتوديعه، واتخذوا من هلاله علامة لجماليات كثيرة، فبعضهم يتخذه أمارة على الشك والتحري، كما قال ابن الوردي (749هـ): «قلتُ: هلال الصيام ليس يُرى / فلا تصوموا وارضوا بقول ثقة = فغالطوني وحققوا ورأوا / وكل هذا من قوة الحدقة»، وقال الرافعي فيما بعد: «هلال الشكّ لا تعجب إذا ما / رأيت – كما أرى – هرج الأنام = فقد حسبوا نحولكَ من نحولي / فخيف عليك عاقبة الغرام»، وبعضهم يفرح ويرسم له صورة جميلة كما في بيت ابن حمديس الذي ألمحنا إليه. ولأحد الشعراء المعاصرين وهو محمد الأخضر السائحي الجزائري قصيدة طويلة يستبشر فيها بمنظر الهلال، مطلعها: «املأ الدنيا شعاعًا / أيها النور الحبيب».

غير أن نحول الهلال هو علامة على انقضاء الشهر؛ ولهذا سُرّ بعض الشعراء بهذا النحول؛ لأنه رمز للانتهاء، كما فعل ابن الرومي في قوله: «وإني ليعجبني تمام هلاله = وأُسَرُّ بعد تمامه بنحوله»، وقد بالغ أحدهم في فرحه بهذا النحول عندما أعلن تبرّمه منه، وضيقه به، حيث يقول: «لقد سرّني أن الهلال لناظري /بدا وهو محقور الخيال دقيق = طواه مرور الشهر حتى كأنه / عنان لواه باليدين رفيق = وإني لشهر الصوم ما عشت شامت / وإنك يا شوال لي لصديق»، وقد قلتُ في ذلك النحول معنى آخرَ مختلفاً، أحسبه متفائلاً، وهو: «هِلالُ الصّومِ أضناكَ النحولُ / أما يكفي التحدّرُ والنزولُ؟ = ستهوي نحو أُفْقٍ ثم تغفو / وتصحو بعد أن طال الأفولُ = وتأتينا جديداً في انحناءٍ / كأنكَ لا تغيبُ ولا تزولُ = فَغِب عنّا قليلا ثم أشرقْ / وعُدْ كي يَبسُمَ العيدُ الجميلُ».

على أن هلال العيد هو أكثر رمزية لدى الشعراء، وهو «أحب الأهاليل إلى الناس بعامة، وإلى الشعراء بخاصة؛ لأنه يرفع عنهم قيود الصيام، ولأنه يأتي إليهم بعيد الفطر الحبيب لديهم»؛ ولهذا قال ابن المعتز: «وهلال شوال يلوح ضياؤه ..»، والسري الرفّاء (366هـ) يقول: «قد جاء شهر السرور شوال..»، ويقول: «ولاح هلال الفطر نضوا كأنه ..»، ويقول: «وكأن الهلال نون لجين..»، وهذا الشطر يذكرنا بسيميائية الحرف كما في (راء) رمضان عند ابن حمديس.