بعض المختصين السعوديين يفضل ألا تزيد قروض الأشخاص طوال عمرهم الوظيفي على ثلاثة قروض، الأول تأسيسي يصرف على الزواج وتأجير مسكن وتأثيثه بعد الحصول على الوظيفة، والثاني عقاري لبناء بيت العمر ويكون بعد معرفة حجم العائلة الصغيرة، والثالث استثماري يعمل عليه في أواخر سن الأربعين ويفيد في مرحلة ما بعد التقاعد..

القروض الشخصية تشكل هوساً سعودياً في المواسم المختلفة، ولعل عيد الفطر يمثل أحدها، واستناداً لإحصاءات البنك المركزي السعودي، فقد ارتفع حجم هذا النوع من القروض، وبشكل لافت خلال الأربعة أعوام الماضية، والأعجب أنها لا تصرف على الأساسيات وإنما الكماليات، وقد استحوذت هذه الفئة على النصيب الأكبر، أو 309 مليارات و100 مليون ريال، من أصل 365 مليارا و200 مليون ريال، والبقية وقدرها 56 مليار ريال، أو ما يعادل 15 مليار دولار، من أصل 97 مليارا و388 مليون دولار، ذهبت للسيارات وتحسين وترميم العقارات والأثاث، ومعها التعليم والسياحة والسفر والرعاية الصحية، والحالة نفسها تكررت في 2024، وكان نصيبها 432 مليارا و100 مليون يال، أو 115 مليارا و227 مليون دولار، من أصل 470 مليار ريال، أو ما يساوي 126 مليار دولار، ولم تتجاوز حصة المشتريات المصنفة في الاقتراض الشخصي، ما قيمته 38 مليار ريال، أو 10 مليارات و134 مليون دولار، والمعنى أن صرف السعوديين على الكماليات يأتي مقدما ومتفوقاً على غيره.

المشكلة في قروض الأشخاص أنها تورط أصحابها، وتدخلهم في دوامة من السداد وإعادة الاستدانة، ضمن ما يعرف بالقروض التكميلية، وانتعاشها الأكبر يأتي في الأزمات، مثلما حدث في ذروة جائحة كورونا عام 2020، عندما تم تسريح الناس من وظائفهم، وقلصت ساعات العمل، وفي هذا العام وحده، طبقاً لمعهد التمويل الدولي، وصلت ديون الأسر لحوالي 47 ترليون دولار، وما سبق يوازي ما نسبته 60 % من الناتج العالمي الإجمالي.

القروض مسألة معقدة، وسدادها بالكامل قد يكون مستحيلاً، ولهذا فقد قامت حركات سياسية في بعض الدول تطالب بما يسمونه (عدالة الدين)، ومعناها إسقاط الديون عن البلدان الأفقر، أو التي لم تختر بإرادتها الكاملة الاقتراض أو الاستدانة، والأشخاص كما الدول يحتاجون لمطالبات مقاربة، لأنهم يشاركون دولهم في تحمل الديون، ومن الأمثلة، أن الطفل في فرنسا، وبمجرد أن يولد، يصبح تلقائياً مديوناً بـ22 ألف يورو، وعندما عجزت اليونان عن سداد ديونها في 2016، وجهت الصحافة اليونانية لومها إلى اليونانيين، واعتبرت أن إنفاقهم غير المسؤول هو السبب.

الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، في كتابه: أصل الأخلاق، الذي نشر لأول مرة عام 1887، مجد العنف ضد المدينين في المجتمعات البدائية، ورأى أنه أوجد الإنسان الأخلاقي، بالإضافة لربطه الأديان بالاستدانة، من زاوية أن الناس فيها يرهنون أرواحهم لخالقهم، أو كما قال، وبالتالي فالشخص المديون متدين بالضرورة، والمفارقة أنه وفي زمن الجاهلية كان التاجر العربي عندما يفلس أو يعجز عن سداد دينه أو لا يستطيع تأمين معيشته في أوقات المجاعة، يمارس ما يعرف بـ(الاعتفاد) بالفاء، وهو يعني الانتحار بالخروح إلى البرية، أو اعتزال المجتمع وانتظار الموت، لأن سؤال الناس معرة كبيرة عند العرب الأوائل، وقد انتقل ذلك إلى المجتمعات الغربية، والدليل دراسة أجراها مايكل سوزا، أستاذ القانون الأميركي، في أعوام 1983 و1994 و2004 و2014، ولاحظ فيها أن التفكير في الانتحار بفعل الديون والإفلاس ارتفع بين الأميركيين في هذه الأعوام من 6,5 % إلى 12 %، وغلبة الدين صعبة، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام تعوذ منها في دعائه، كما ورد في الحديث النبوي المعروف.

في مجتمعات ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي كان من بين عقوبات التأخر في السداد تحول المدين إلى عبد عند الدائن، والبنوك التجارية في المملكة تمارس السابق بأسلوبها الخاص، وتتعامل مع أصحاب القروض الاستهلاكية بطريقة تاجر البندقية شيلوك والمدين الإيطالي أنطونيو، والفارق أنها تختار تسميمه بالديون المميتة وغير المنتهية، ولا تقترح أخذ قطعة من لحمه، ومن الأدلة، وبحسب أرقام البنك المركزي السعودي لعام 2019، أن قروض الاستهلاك وبطاقات الائتمان كانت أعلى من القروض العقارية، وبنسبة 121 %، وهو ما قاد البنك المركزي إلى طرح مبادرة التمويل المسؤول لضبط العشوائية في عمليات التمويل البنكي للأشخاص.

بعض المختصين السعوديين يفضل ألا تزيد قروض الأشخاص طوال عمرهم الوظيفي على ثلاثة قروض، الأول تأسيسي، يصرف على الزواج وتأجير مسكن وتأثيثه، بعد الحصول على الوظيفة، والثاني عقاري لبناء بيت العمر، ويكون بعد معرفة حجم العائلة الصغيرة، والثالث استثماري يعمل عليه في أواخر سن الأربعين، ويفيد في مرحلة ما بعد التقاعد، وهم ينصحون بالابتعاد عن القروض الاستهلاكية وعدم الدخول فيها قدر الإمكان، ورؤية المملكة تحرص على تعزيز مفهوم الاستثمار والادخار لمواجهة تكاليف الحياة المتزايدة، وعلى خفض الاقتراض في غير الأصول والأساسيات، وبما لا يرهق الناس، ويؤثر على استقرارهم المالي، ويظهر أن أرقام عامي 2020 و2024، تقول شيئاً آخر، فقد وصلت قروض الكماليات غير المصنفة في العام الماضي، ولأغراض الاستعراض ولفت الأنظار، إلى ما نسبته 97 % من إجمالي القروض الاستهلاكية، وهو مؤشر مزعج ستلاحظونه في زيارات العيد لمن تعرفون.