تحتفل المملكة العربية السعودية في 23 مارس من كل عام بيوم المسؤولية الاجتماعية، وهي مناسبة تلقى الضوء على أهمية التكامل بين مختلف القطاعات لتحقيق التنمية المستدامة وفق رؤية السعودية 2030، وفي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يشهدها العالم، أصبح تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى القطاع غير الربحي، ضرورة حتمية لضمان تحقيق تأثير واسع ومستدام لبرامج المسؤولية الاجتماعية.
إذ تمثل المسؤولية الاجتماعية التزامًا أخلاقيًا واقتصاديًا يربط المؤسسات والمجتمع بمسؤوليات تتعدى الأهداف الربحية إلى تحقيق أثر إيجابي على المستويات الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية. وقد تبنّت المملكة العربية السعودية، في إطار رؤيتها الطموحة، سياسات وبرامج تعزز دور الشركات والجهات الحكومية في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تتكامل جهود القطاعين العام والخاص لتعزيز الابتكار الاجتماعي وتحقيق الأثر الإيجابي المستدام.
وتُعد المسؤولية الاجتماعية للمنظمات ركيزة أساسية في بناء مجتمعات متماسكة ومستدامة، حيث تسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تعزيز الرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وحماية البيئة، ووفقًا لتقرير Harvard Business Review، فإن 70% من المستهلكين يفضلون التعامل مع الشركات التي تطبق ممارسات المسؤولية الاجتماعية والاستدامة. كما تشير دراسة أجرتها ماكينزي للاستشارات إلى أن الشركات التي تتبنى برامج مسؤولية اجتماعية قوية تحقق أداءً ماليًا أعلى بنسبة 20% مقارنة بنظيراتها التي لا تمتلك استراتيجيات واضحة في هذا المجال.
وفيما يتعلق بتأثير المسؤولية الاجتماعية على بيئة العمل، وجدت دراسة أجرتها Deloitte أن 88% من الموظفين يعتبرون أن مشاركة شركاتهم في برامج المسؤولية الاجتماعية تعزز من ولائهم وانتاجيتهم. أما على المستوى البيئي، فقد أظهرت بيانات الأمم المتحدة أن تطبيق الشركات لممارسات الاستدامة أدى إلى خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 30% في بعض الدول الرائدة في هذا المجال، مثل السويد والمانيا.
كما تتماشى برامج المسؤولية الاجتماعية مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، حيث تسهم بشكل مباشر في مكافحة الفقر، تحسين جودة التعليم، تمكين الشباب، دعم المشاريع الريادية، وتقليل الفجوة الاقتصادية والاجتماعية. كما أصبحت المسؤولية الاجتماعية أداة رئيسية لتعزيز الحوكمة الرشيدة، وبناء علاقات مستدامة بين الشركات والمجتمعات التي تعمل بها، مما يعزز من سمعة المؤسسات ويزيد من ولاء العملاء والموظفين.
وقد شهدت المسؤولية الاجتماعية تطورًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، حيث لم تعد تقتصر على المبادرات الخيرية، بل أصبحت تشمل استراتيجيات متكاملة تركز على:
• الاستثمار الاجتماعي المستدام: حيث تتجه الشركات إلى دعم مشاريع ذات أثر طويل الأمد مثل ريادة الأعمال الاجتماعية، وبرامج التدريب والتوظيف التي تخلق فرصًا مستدامة.
• المسؤولية البيئية: تزايدت المبادرات التي تستهدف الحد من الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
• الابتكار الاجتماعي: من خلال تطوير حلول جديدة لمواجهة التحديات المجتمعية مثل الأمن الغذائي، الصحة، والتعليم الرقمي.
من هذا المنطلق، اولت المملكة اهتمامًا متزايدًا بهذا المفهوم، مستندة إلى رؤية طموحة تستهدف تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. وشهدنا خلال السنوات الماضية عدد من المبادرات التي تعكس ذلك الاهتمام من أبرزها ما يلي:
• اعتماد الثالث والعشرين من شهر مارس من كل عام يوم وطني للمسؤولية الاجتماعية لتعزيز الوعي المجتمعي حول أهميتها. وتكثيف الجهود نحو تفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات.
• إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمسؤولية الاجتماعية للشركات لتعزيز الالتزام المؤسسي بالمسؤولية الاجتماعية.
• تأسيس وحدات إدارية متخصصة للمسؤولية الاجتماعية في الوزارات والغرف التجارية والأمانات لتعزيز دورها المؤسسي.
• إطلاق المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية، بهدف قيادة التحول في الإفصاح عن ممارسات المسؤولية الاجتماعية وإبراز مبادرات القطاع الخاص في هذا المجال.
• إطلاق معايير الإفصاح عن المسؤولية الاجتماعية لتشجيع الشفافية والمساءلة في أداء الشركات.
• برامج تمكين الشباب وريادة الأعمال مثل “برنامج تمكين القطاع غير الربحي” الذي يدعم المؤسسات غير الربحية لتعزيز أثرها في المجتمع.
• مشاريع الاستدامة البيئية مثل “مبادرة السعودية الخضراء”، التي تعكس التزام المملكة بحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة.
• إطلاق الملتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية 2024 لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.
كما وتشير التقارير الرسمية إلى التقدم الملموس في مجال المسؤولية الاجتماعية بالمملكة، من أهمها:
• زيادة الإنفاق الاجتماعي: ارتفعت نسبة مساهمات الشركات من إجمالي الإنفاق الاجتماعي من 1.19% في عام 2019 إلى 4.15% بنهاية عام 2023، مما يمثل قفزة نوعية في التزام الشركات تجاه المجتمع.
• ارتفاع عدد الشركات المشاركة: تضاعف عدد الشركات التي تقدم برامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية ليصل إلى 65% في عام 2023، مقارنة بـ30% في عام 2019.
• تحسن التصنيف العالمي: تقدمت المملكة 25 مركزًا لتحقق المرتبة الـ16 عالميًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية الصادر عن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية IMD لعام 2024.
وفي ضوء ما سبق، ولأهمية مضاعفة آثار تفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية، من أجل بناء مستقبل مستدام، فإن الأمر يتطلب:
• وضع تشريعات إجرائية ملزمة تحدد الحد الأدنى من معايير المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات.
• توفير حوافز ضريبية ومالية للشركات التي تلتزم بمبادئ المسؤولية الاجتماعية.
• إطلاق برامج حكومية لدعم المشاريع الاجتماعية المستدامة بالتعاون مع القطاع الخاص.
• دمج المسؤولية الاجتماعية في الاستراتيجيات المؤسسية للشركات.
• تعزيز الشفافية والإفصاح عن أداء الشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية.
• إنشاء صناديق استثمار اجتماعي لدعم المشاريع الاجتماعية والتنموية.
• زيادة حملات التوعية حول أهمية المسؤولية الاجتماعية وأبعادها المختلفة.
• تعزيز الشراكات بين القطاع الخاص والجمعيات الخيرية والقطاع غير الربحي.
• دعم الأبحاث والدراسات التي تتناول أثر المسؤولية الاجتماعية على التنمية المستدامة.
• تكثيف برامج التعليم والتدريب في مجال المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ختامًا، يعد يوم المسؤولية الاجتماعية فرصة لتعزيز الوعي بأهمية العمل المشترك بين القطاع الحكومي، والخاص، والغير ربحي لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، ومن خلال التزام الأفراد والمؤسسات بمسؤولياتهم الاجتماعية، يمكننا تحقيق رؤية طموحة تضمن رفاهية المجتمع واستدامة موارده للأجيال القادمة.
ayedhaa @x: