<br />قبل أسابيع انتقلت الى رحمة الله فنانة رائدة حضورها ودورها كبير في ساحة الفن السعودي، هي صفية بنت سعيد بن زقر «1940-2024»، تعد الفنانة المولودة في جدة أحد أسماء الرعيل الأول ممن ارتبطوا بالفن منذ بواكير حياتهم، ويسجل لها ولرفيقتها الفنانة منيرة موصلي أول المعارض النسائية عندما أقمن معرضا مشتركا، وبعرض منفصل عام 1968 في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة، وبعد عامين تقيم صفية معرضا فرديا في دار الحنان بجدة.<br />في حياة الفنانة الكثير من المحطات الهامة التي رسمت مسيرتها الفنية، في مصر تلقت أولى العلوم الفنية وكانت شغوفة للمزيد من المعرفة، تعلمت في مصر القواعد الفنية الأكاديمية خاصة رسم الأشخاص باعتبار اهتماماتها في توثيق الحياة والمظاهر الاجتماعية والناس وتلقتها على يد أستاذها د. صبري عبدالغني، وبالتالي لا تخفي اعجابها وتأثرها ببعض الفنانين المصريين الذي تقترب من أساليبهم الفنية في توثيق مظاهر الحياة وحركة المجتمع. ظهر هذا الاهتمام في أعمالها الأولى عندما رسمت الناس والشخصيات ومجتمعها القريب، وبعض مظاهر الحياة اليومية وحياة الناس في منازلهم ومناسباتهم خاصة الافراح، ذهبت أبعد من ذلك الى الصحراء فوجدت فيها جمالا خاصا مع رعاة الأغنام والإبل فكان موضوعا اثيريا ظهر في أعمالها السبعينية والثمانينية، اهتمت الفنانة بتوثيق تراث المملكة عامة ومحيطها القريب خاصة، فكانت ترسم مظاهر الحياة اليومية وعيش الناس.<br />رسمت من داخل البيوت العادات والتقاليد والشخصيات الحجازية بلباسهم التقليدي كانت تعتمد في ذلك على ذاكرة ممتلئة بالصور والمشاهد، كما لا تستغني عن لقطات ضوئية ربما تكون هي من اختارها، كما تستفيد من خبرات من كانوا أكبر منها سنا في توثيق بعض المظاهر والتفاصيل الأقدم، كان رسمها يتنامى خاصة بعد دراستها في القاهرة وبعد أن اطلعت على أعمال الفنانين الذين تلتقي معهم في التوثيق والاهتمام بالمظهر الاجتماعي. فتقول أن أعمالها تهدف إلى «الحفاظ على الماضي وليس اعادته»، في عملها حيوية ترسمها الشخصيات التي تتناولها وفي أوضاع مختلفة، تمنح العمل أو المشهد طاقته وحيويته من خلال حركة الناس وروح الفنانة.<br />ألوانها هي ألوان الطبيعة والمكان تضيف لها من احساسها وتفاعلها مع المشهد والزاوية الفنية، والفكرة تضعها وفق رؤيتها لتحقيق الموضوع وبما يقدمه كوثيقة تسجلها وتحفظها. تمنحها اصالتها وصدقها وهي تحيل المشهد إلى واقع نتخيله وقد نعيش لحظاته أو زمنه، واقع الفنانة صفية بن زقر مليء بالصور الإنسانية، الأصيلة والحديثة في أن صور تستعيدها الأجيال وتعود إليها عندما قالت لي في حديث سابق أنها تخضع كل الإمكانات التي تسهم في تحقيق عمل يحفظ المكان والتاريخ والأصالة والاختلاف، في العام 1982م، أصدرت كتابا مصورا هاما يوثق مرحلة من مسيرتها الفنية بعنوان «المملكة العربية السعودية من خلال نظرة فنانة»، تعود أقدم الأعمال في الكتاب الى العام 1968 وآخرها 1978.<br />هي أعمال تمثل مسار الفنانة واهتماماتها خلال عشرة أعوام من مسيرتها، فنقلت مواضيع الحياة الاجتماعية والمحيط القريب والشخصيات والطبيعة بأكثر من تقنية وخامة، مع بداية العام 2000 أطلقت دارتها الفنية وتحمل اسمها، وتجمع أعمال الفنانة ومقتنياتها ذات العلاقة بالتراث السعودي لتكون مصدرا لأعمالها واهتماماتها وتاريخها الفني، أقامت صفية بن زقر معارضها في لندن وباريس وجنيف وفي بعض مدن المملكة ابتداء بجدة فالرياض والظهران والمدينة المنورة وينبع.<br />تركت الفنانة صفية بن زقر إرثا فنيا أصيلا. أعمال صفية تخلد وتحفظ صورا أصيلة بعثتها الفنانة من تراث وتاريخ وعمق وأصالة كانت تغمرها طيلة حياتها الممتدة لأكثر من ثمانين عاما.. رحم الله صفية بن زقر.<br />aalsoliman@hotmail.com<br />