<br />نفكر في الموت كدافع للحياة وليس مثبطا لها، نتيجة لذلك سعيت جاهدا قطف ثمار عمري وتقديمها منفعة للآخرين. لم يحتل شخصي الشعور بالكلل، والملل، والتعب في مضمار هذا السباق المجيد، كان ذلك منذ طفولتي التي تم وأدها في قريتي لصالح الحياة ومرجلتها كمنهج حياة.<br />ولدت مع جيلي رجالا صغار. نشاط حيتنا يغذي آمال من حولنا، كنّا أملهم لاستمرار مسيرة منهج حياتهم على أحسن وضع وحال، كان عليهم تدريبنا وإعدادنا وفق منهج حياة لا يرحم المتقاعس والمتخاذل، كانوا يرون رجولتنا تكبر مع نمونا، وتنشط مع نشاطهم، كان لكل مولود ذكرا وأنثى وظيفة ودور متقن. طفولتنا تدريب وتهيئة وإعداد.<br />تحول إعدادنا وتهيئتنا وتدريبنا إلى المدارس والمعاهد والجامعات، وفق مناهج دراسية مخطط لها بإحكام وبصيرة، ورؤية ناضجة. وجدت نفسي متنقلا من مرحلة لأخرى، حتى «بيّحت» التعليم، أي أنهيته بإجازة الدكتوراه.<br />وجدت قواي تتجدد مع كل منجز أحققه. مع كل كلمة إطراء ومدح أتلقاه، حتى وإن كانت في حدود الكلمة الطيبة، كنت ذلك الطفل والشاب المميز في قريتي. وكنت ذلك الطالب المثابر، وذلك الموظف المميز، وذلك المدرس المخلص لطلابه. وذلك المعطاء المتفاني لعائلته الكبيرة والصغيرة.<br />كنت ومازلت ذلك الغني بأصدقائي، ومعارفي، وزملائي، وقرّائي، وطلابي، وأيضا جماعتي أبناء قريتي وقرية أخوالي. في صغري كان لي جماعتين، وهذا من حسن حظي، جماعة قرية أبي، وجماعة قرية أمي، تزودت من الجميع بالكثير، رغم ميل كفة الميزان لأخوالي وجماعتهم.<br />قال حافظ إبراهيم شعرا يردده من خلفه العرب: «الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها.. أعدت شعباً طيب الأعراق»، أمي مدرسة، رجحت كفة أهلها وجماعتها في مسيرة حياتي. كان أخوالي وعلى رأسهم كبيرهم خالي «علي» -رحمه الله- ، يعاملني كضيف أمام جماعته. جعلني أتصدر مجلسهم -طفلا- في مناسبات الكرم التي أحضرها، هكذا رسم خارطة أهميتي بين جماعته، فتبعوا خطاه، معهم وبهم لم أكن طفلا يوما من الأيام.<br />حياة طفولتي جعلت حياتي سعيدة إلى اليوم، رسخوا مكارم منهج أخلاقهم في شخصي. ارتقوا بقدراتي التي تناسب منهج حياتهم في ذلك الوقت. يفكرون في الحياة كما يفكرون في الموت، كانوا يعيشون حالة توازن تربطهم ببيئتهم يخدمونها ويعملون من أجل بقائها غنية. إنها قوتهم وعزهم. هم في حضرتها حراسا وخدما أوفياء مخلصين.<br />جاءت الأسفار فغيرت منهج حياة القرية الريفية إلى الأبد وفق معطيات ومؤشرات الواقع. انتهت حياة الريف، هبت هبوب حياة جديدة، دفع هذا الريف ثمنها. تصدعت مقوماته المتوارثة، وعاداته، وقيمه، ومنهج حياته. غادرته مع نهاية عام «1971» ميلادية، رجعت بعد ربع قرن فلم أجده.<br />من المنجزات العظيمة التي تحققت في بلدنا - حفظها الله -، أنها استوعبت هجرة أهل الريف وفق رؤية تدريب وتعليم من أجل مستقبل أفضل، في زمن الطفرة زاد الطلب على اليد العاملة، ونعرف علميا أن الريف هو المخزون البشري الذي يمد القطاعات الأخرى باليد العاملة.<br />بتشجيع مدروس، وتخطيط حكيم وملهم، اجتاحت رغبة الأسفار شباب الريف نحو المجهول -بالنسبة لهم- إلى عالم المعلوم، ليصبحوا بناة للوطن وفخر له. وللحديث بقية.<br />@DrAlghamdiMH