<br />- كان رتم الهجرة من الريف بطيء حتى مرحلة الطفرة عام 1975م، ثم جاءت هجرة الشباب والرجال منه بشكل متعاظم. طفرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. حيث عمدت المملكة إلى اتخاذ ما يسهل حياة المهاجرين نحو المدن والمناطق الصناعية وفق خطط متقنة لاستيعابهم.<br />تبنت الدولة - حفظها الله -، ابتعاث أبناء الريف بشكل مكثف لتدريبهم وتدريسهم، وإعدادهم لمرحلة التنمية التي قامت على برامج خطط تنمية شاملة، وكنت أحدهم، وقد بدأ التعليم في المناطق الريفية مبكرا منذ عهد الموحد - رحمه الله -.<br />كان التركيز يتعاظم لبناء العقل السعودي، تعلمنا وتدربنا خارج الوطن وداخله، وتم تسهيل حياة المهاجرين إلى المدن عبر القروض والإعانات المالية وفرص العمل المتنوعة.<br />استوعبت العقول السعودية كل جديد وحديث في زمن قياسي. وقد كان يطغى عليها ثبات الخبرات والانغلاق لأجيال دون تغيير، الرهان على الإنسان وقدراته وطاقاته لا يخسر، مع طفرة التغيير ظلت جذوة الشهامة والنخوة والقيم الريفية حاضرة إلى يومنا هذا.<br />نعم.. خسر الريف منهج حياته التراثية المتوارثة، لكن كسب أهله التعليم الأفضل؛ والمنزل الأفضل؛ والمهارات الأفضل؛ والمعرفة الأفضل، أصبحت الحياة أفضل، وبشأن عظيم أهم وأشمل.<br />تخلّص أهل الريف من حياة حضارة حياة الرمق الأخير، ومعاناتها وقسوتها، كسب إنسانه نفسه وخرج إلى عالم رغد العيش، استوعب بجدارة معطياته في زمن قياسي، تفاعل مع التغيير، أجاد لعبة التوازن اجتماعيا، انخرط في بناء بيئته الريفية بمفهوم جديد، انتماءهم الريفي لم ينفصل بفعل التغيير الذي ساد، لكنهم وظفوا إمكانياتهم في بناء مناطقهم الريفية، جعلوها رسالة انتماء لتنمية خالدة لأجيالهم.<br />مع أسفاري وترددي على مناطقنا الريفية، أقف اعجابا وتقديرا لأهل هذا الريف، لم يتخلوا عنه، لم يتجاهلوه. استثمروا مدخراتهم على أديم أرضه، بيوتا زاخرة بالرفاهية. عززته الدولة هذا التوجه البناء، بدعمهم بالكهرباء، وتعبيد الطرق الحديثة، وتوفير المياه، وتسهيل الأنظمة والقوانين، تبنت الدولة كل المشاريع المساندة لنجاح هذا التوجه، أصبح الريف مدنا لحياة حديثة، كمثال.. صرفت الدولة على الكهرباء وحدها أكثر من نصف تريليون ريال.<br />الآن هل بدأت مرحلة التصحيح إلى هجرة عكسية من المدن إلى الريف؟ حتى يتحقق نجاحها لابد من نشاط اقتصادي يدعمها نحو الثبات، بفعل أشبه بما حصل في هجرتهم الأولى خارج مناطقهم الريفية.<br />يستحيل العودة إلى منهج حياة ونشاط الريف القديم التقليدي التراثي، نحن أمام أجيال تربت خارج الريف، يصعب عليها العيش في ريف لا يملك مقومات ما عاشوه وتربوا عليه. الريف السعودي الحديث سيكون متعدد النشاطات، التوازن بين استثمار نشاطاته المتاحة وفق خطط تنموية شاملة سيكتب نجاح الهجرة المعاكسة إلى الريف.<br />أي نشاط ريفي عليه توفير حياة كريمة تضاهي الحياة في المدن. هذا سيتحقق برؤيا تحمل استراتيجية، تقود إلى خطط تضع برامج مستدامة العطاء والنجاح.<br />إحياء الأسرة الزراعية السعودية التي تمارس الزراعة كمهنة جاء وقته، ودوره، وأهميته الاستراتيجية، يتطلب هذا تعليم أجيالها ما يحقق بقاءهم في نشاطهم الزراعي، وليس إعدادهم للعمل في قطاعات أخرى، وهذا ما أدعو له من عقود. تمكين استدامة الأسر الزراعية سيحقق الأمن الغذائي المستدام، ويستمر الحديث.<br />@DrAlghamdiMH<br />