<br />الوضع الجيوسياسي ودمار الحروب وتهديداتها تؤثر ليس على الاقتصاد العالمي وإنما تؤثر على مستقبل الدول ومكانتها الاقتصادية والعالمية، بالذات تلك التي لها دخل مباشر في مثل هذه الفوضى.<br />شكلت الحرب الروسية الاوكرانية محورا عمليا لتلك التغيرات وتساهم بشكل تدريجي في هذا التغيير وانعكاسه لمفهوم جديد بالتدريج، فكلما طال امد الحرب صنع التغيير ممرا مسلماً به وبدائل وتشكيل تكتلات وقوى خارج القبضة العالمية المتعارف عليها.<br />ومن هذا المنطلق يقول الفيلسوف الامريكي نعوم تشومسكي، أنه في الوقت الحالي أصبح مركز القوة العالمية، سواء كانت أحادية القطب أو متعددة الأقطاب، محل اهتمام كبير، وتعود جذور هذه القضية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية عندما أسست الولايات المتحدة قوة عالمية. غير أن حرب أوكرانيا أدت إلى انقسام العالم بشكل كبير، حيث دعت معظم دول العالم خارج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تسوية دبلوماسية، ولكن موقف الولايات المتحدة هو أن الحرب يجب أن تستمر لإضعاف روسيا بشكل كبير.<br />ويرى الفيلسوف العجوز أن الأزمة الأوكرانية تعمل على تقسيم العالم، ويظهر ذلك في إطار القطب الواحد مقابل الاقطاب المتعدد. فعلى سبيل المثال، دفعت الحرب الاتحاد الأوروبي بعيداً عن وضعه المستقل إلى سيطرة الولايات المتحدة الصارمة. وفي المقابل يتجه الاتحاد الأوروبي نحو الانحدار الصناعي بسبب تعطل شركائه التجاريين المعتادين، بالمقابل تتمتع روسيا بوفرة من الموارد الطبيعية التي يفتقر إليها الاتحاد الأوروبي، وهي علاقة تجارية طبيعية انكسرت الآن.<br />كما تمنع الأزمة الأوكرانية وصول الاتحاد الأوروبي إلى الأسواق الصينة، فقد كانت الصين سوقًا ضخمة للمنتجات الصناعية الألمانية مثلاً. وإذ نرى تأثير الازمة بتعرض أكبر اقتصاد في أوروبا وللعام الثاني على التوالي لتراجع وانكماش كبير مع تلاشي الامل في التعافي القريب.<br />ويرى تشومسكي أن الولايات المتحدة تصر وفي إطار القطب الواحد للنظام العالمي أن لا يتم دمج الاتحاد الأوروبي بل والعالم في نظام مثل (نظام الناتو). وتحت الضغط الأمريكي، وسع الناتو نطاقه إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما يعني أن الناتو ملزم الآن بالمشاركة في الصراع الأمريكي مع الصين. وبينما يحاول بقية العالم التطوير لعالم متعدد الأقطاب مع عدة قطاعات مستقلة للقوة. كدول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا) التي تريد مصدرًا مستقلًا للقوة خاصًا بها، فهي تشكل 40٪ من الاقتصاد العالمي مستقلًا عن العقوبات الأمريكية والدولار الأمريكي.<br />ويرى تشومسكي إن هذه الصراعات تتطور حول قضية واحدة مشتعلة وقضية أخرى متنامية. فأوكرانيا هي القضية المشتعلة، أما القضية المتنامية فهي صراع الولايات المتحدة مع الصين، التي تعمل على تطوير مشاريعها الخاصة في أوراسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب أفريقيا، وجنوب آسيا، وأميركا اللاتينية.<br />من هنا يتشكل التغيير، فإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على التكيف وعدم الاعتماد مع سوق بحجم الصين، قد لا تنجح الاسواق الاوربية واقتصادها المنهك على التعامل مع هذه الخسائر الغير مدروسة، ولكن وبعيدا عن تسجيل الخسائر والارباح، هناك من يخرج من شرنقة هذه السيطرة ليجد له مكاناً ينجو به، أو يركس فيه، وعليه هذه الاحتياجات والفوضى والتقييد والتكتلات والمنافع المشتركة هي التي تشكل المستقبل.<br />@hana_maki00<br />