<br />في خضمّ هذه الحياة المعقدة والمليئة بالتناقضات، يظهر مفهوم الضمير كحجر زاوية في تشكيل السلوك البشري، لكن السؤال العاصف الذي قد يثيره كل مفكر أو فيلسوف يتعمق في الذات الإنسانية هو: هل الضمير حقيقة ثابتة أم وهم من صنع المجتمعات لتقييد البشر؟<br />لنبدأ من المنطلق الفلسفي القائل بأن الإنسان كائن حر، يولد دون قيود أخلاقية، ثم تنغرس فيه معايير المجتمع بشكل تدريجي اي يتم قولبته اجتماعياً، وفي هذا السياق يمكن أن يُنظر إلى الضمير على أنه نظام مراقبة داخلي، تم زرعه في النفس منذ الطفولة بواسطة الأسرة، المدرسة، والدين، لكنه في جوهره ليس جزءاً أصيلاً من كينونة الإنسان، بل قوة خارجية فرضت نفسها على الفرد، ومن هنا يمكن أن يُجادل بأن الضمير مجرد وهم..!<br />علماء الاجتماع يعتبرون الضمير أداة تطورت لضمان بقاء المجتمعات البشرية، في هذه الرؤية، يُعتبر الضمير نوعاً من الميثاق الضمني بين الأفراد والمجتمع الذي يحيطهم، ببساطة هو بمثابة الآلية التي تجعل الفرد يتصرف بطريقة لا تهدد استقرار الجماعة، وفي هذه الحالة، ليس للضمير قيمة ذاتية مرتبطة بروح الإنسان أو جوهره العميق، بل أداة مجتمعية لتحويل الإنسان من كائن حر غير مقيّد إلى فرد يمكن التحكم فيه والتنبؤ بتصرفاته، لكن هنا ينفجر السؤال الفلسفي: هل نستطيع فعلاً أن نطلق على هذا النظام المفروض من الخارج «ضميراً»..؟<br />إذا كان الضمير أداة للسيطرة، فهو ليس انعكاساً لما هو «صحيح» أو «خطأ» بمعناه الحقيقي، إنما هو نتيجة لضغط ثقافي واجتماعي، وهو ما يجعلنا نتساءل: أين تقع الحقيقة الأخلاقية في ظل هذا الوهم المتراكم؟ هل الإنسان حقاً يتصرف وفقاً لما يعتقد أنه الصواب، أم أنه مجرد منفذ لأوامر المجتمع الذي برمج ضميره؟ للفلسفة العدمية رأي صادم يحتاج لتفكير وتمعن، كونها تدحض فكرة الضمير بالكامل، حيث يرى العدميون أن كل شيء، بما في ذلك الأخلاق والقيم، لا معنى له، بالتالي، الضمير نفسه يصبح جزءاً من تلك الأوهام التي يتمسك بها البشر بشكل غير منطقي، بالنسبة للعدمي، ليس هناك «صواب» أو «خطأ»، هذه مجرد مصطلحات وُضعت لتقييد الإنسان داخل قفص من القواعد التي تهدف للحفاظ على وهم النظام الاجتماعي، شخصيا اعتبر الضمير جزء لا يتجزأ من الوعي الذاتي للإنسان هو بمثابة محكمة داخلية توجه الإنسان نحو التصرف وفقاً لمبادئ أخلاقية، الضمير ليس مجرد انعكاس للمعايير الاجتماعية، بل هو جزء من العقل الإنساني الذي يسعى نحو تحقيق الخير المطلق.<br /><br />لكن هنا يظهر السؤال: هل يمكن أن تكون هذه المحكمة الداخلية حقاً مستقلة عن التأثيرات الخارجية؟ أم أن ما يظنه الإنسان وعياً ذاتياً هو في الواقع انعكاس لما يفرضه المجتمع عليه؟ من المثير للاهتمام أن نتساءل: ماذا يحدث عندما يقف الضمير في مواجهة الطبيعة البشرية؟ نحن مخلوقات مليئة بالتناقضات: نريد الحرية، لكننا نخاف من الفوضى؛ نرغب في السعادة، لكننا نبحث عن النظام، الضمير يبدو في هذا السياق كآلية لضبط تلك التناقضات.<br />إنه يدفعنا لتحقيق التوازن بين ما نريده كأفراد وما يتطلبه المجتمع منا. ختاما يظل الضمير مفهوماً معقداً ومتناقضاً وقد يكون وهماً اجتماعياً، أو تجلياً للوعي الذاتي، أو حتى أداة للتحكم والسيطرة. ومع ذلك، يبقى جزءاً لا يمكن تجاهله من التجربة الإنسانية. فالضمير، سواء كان حقيقياً أو وهمياً، هو القوة التي تُعيد تشكيل وجودنا باستمرار، وتجعلنا نتأرجح بين الحرية والقيد، بين الفردية والجماعة، وبين الفوضى والنظام.<br />@malarab1<br />