<br />مؤخرا ازدادت البرامج المرئية والمسموعة والتي يطلق عليها «البودكاست»، ومن كثرتها يضطر مقدم البرنامج اليومي أو الأسبوعي أن يستضيف في كل حلقة شخصية جديدة، وهذا يُجبره بعد فترة من استضافة عدة شخصيات مشهورة ومعروفة أن يملئ الفراغ بكل من هب ودب، إذ لا بد من إذاعة الحلقة في وقتها، ليصبح الكم أهم من الجودة، وهنا تأتي المعضلة الكبرى، والتي لنا معها تفصيل وملاحظات.<br />أولا: لا بد أن يكون الضيف مُلم بالموضوع الذي يتحدث عنه، ومتخصص في علم معين، وألا تٌطرح عليه مواضيع وتساؤلات ليست من أصل تخصصه لأنه سوف يأتي بالغرائب من الشطحات، وقد قيل: من تحدث في غير فنه جاء بالعجائب! فقد يدلي بنصائح في الطب أو الدين أو غيرهما ويضر بأشخاص كثيرين من المستمعين والمتابعين.<br />ثانيا: ما دفعني إلى هذا المقال خاصة حديث أحدهم عن السيرة النبوية لرسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - حيث استنبط الضيف أشياء «يشيب لها الرأس». والحقيقة أنه ليست من عادتي أن أذكر أشخاص بعينهم، لأني أحاول دائما مناقشة الفكرة لا الشخص الذي قالها، ولكن حتى الاستنباط الذي ذكر لا أتفق معه، والذي حز في نفسي أن يذكر اسم حبيبنا - عليه الصلاة السلام - بدون أن يصلي ويسلم عليه، والأسوأ أنه قد استخدام بعض المفردات العامية التي لا تليق بمقام النبوة. والواقع أنه لا بد من الحرص الشديد في استخدام الألفاظ التي تفيض بالاحترام والتقدير والمحبة له - عليه الصلاة والسلام - ، فضلا عن أنها واجب ديني «وليس تكرما من أحد» وذلك لفضله ومقامه، ومنزلته الكبيرة والعظيمة في الدارين، والمنزلق الخطير الآخر هو الاستنباط دون الرجوع إلى أهل الاختصاص أو حتى التأكد من صحة القصة أو المعلومة المنقولة.<br />والملاحظة الثالثة: لا يستلزم أن تكون هناك حلقات بشكل يومي أو حتى أسبوعي إذا كان البرنامج لا يتحمل ذلك؟ فالأفضل هو الحرص على الجودة خير من الكثرة المملة.<br />والملاحظة الرابعة: الابتعاد عن الآراء الشاذة خصوصا فيما يتعلق بالتفسير أو شرح الأحاديث النبوية حيث ذلك يخالف أدنى درجات الخوف أو الحياء في أن نقول على الله سبحانه وتعالى، أو على رسوله - عليه الصلاة والسلام - كلام بغير وجه حق، أو لي عنق الدليل حتى يوافق أهواءنا، أو من أجل «ما يطلبه المشاهدون والمتابعون»، ولعلي أذكر نفسي والآخرين بالحديث النبوي: «ومَن قال في القرآنِ برأيِّهِ، فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ» - أخرجه الترمذي واللفظ له، وأحمد- . وكذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : «فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ».<br />وأما الملاحظة الخامسة: فالبعض يريد أن يبحث عن شيء جديد ليطرحه للناس في هذه اللقاءات، وأن يستنبط مسألة لم يسبقه فيها أحد، وكما قال أبو العلاء المعري: «وإني وإن كنت الأخير زمانه.. لآتٍ بما لم يستطعه الأوائل»، والبحث عن الجديد أمر مطلوب وحسن في أمور الدنيا والعلوم التجريبية والطبيعية، ولكن في الدين بغير علم أو الطب أو فيما يضر سلامة الإنسان فلا، وألف لا! لأن من مقاصد الشريعة العامة حفظ الضروريات الخمس: الدين، العقل، النفس، العرض، المال.<br />ولعلي أقول ناصحا تحدث للناس في تخصصك وفيما تعلم، وليس هناك أدنى حرج أن تقول ولو على الهواء مباشرة: لا أعلم أو لا أدري، ليتعلم المشاهد والمتابع أن كلمة «لا أعلم»، هي أمر طبيعي جدا، ولا عيب فيها، ويٌروي عن الإمام مالك أنه قال: من فقه العالم أن يقول لا أعلم، وذُكر عن الشعبي أنه قال: لا أدري نصف العلم.<br />والخلاصة، الحديث بغير علم أو في غير تخصصك قد يجُرك إلى طامة من الطامات!<br />@abdullaghannam<br />