<br />تراودني أسئلة تشغل فكري، يا ترى؟! كيف للمرء أن يتذكر الموتى بعد رحيلهم؟ ومن بين ألف ذكرى وذكرى؛ يسترجع ذكرياته معهم؟ أسئلة بسيطة، ولكن الإجابة عليها صعبة، والتفكير بها مُرهق!! الحنين للميت مؤلم، فقد الميت ألم صعب الشفاء منه، فهو لا يشبه أي ألم آخر.<br /><br />لم أذهب لأرى جدي للمرة الأخيرة في مغسلة الموتى، تمنيت لو تأملته كثيرًا، كنت أدرك أنها النظرة الأخيرة، أحسست بلحظة انكسار لم أعشها طيلة حياتي، من أثقل اللحظات على قلبي، لم أستطع ذرف أي دمعة، تحجرت الدموع! تاركةً حرقة في قلبي ولوعة لا توصف.<br /><br />كنت أشعر بشعور غريب قبل وفاة جدي بفترة قصيرة، كنت دائمًا ما أحدث نفسي عن الموت، أفكر في ردود أفعالي تجاه أي خبر وفاة محتمل، هكذا تحدثني نفسي وفي كل مره أجد صعوبة بالغة في تصور هذا المشهد، كاتمة للدموع في عيني مما يجعلني أتوقف على الفور عن هذه التصورات.<br /><br />عندما أصبح المشهد حقيقيًا، لم أستطع البكاء! منحني الله من الصبر ما جعلني متماسكة حينها. بعد كل تلك الأحداث، جلست في لحظة صمت، أستشعر الموقف وأتذكر بأنها الساعات الأخيرة، كانت لحظة فيها من الضياع، الحزن، الرهبة، تأملت ملامحه وصوره، ماذا لو رأيت ابتسامته التي غطت وجهه البارد؟، ماذا لو أمسكت يداه وقبلتها، في كل مرة أتخيل الموقف أشعر برعشة تملأ جسمي كله، أشعر بالظلم لأنني لم أراك للمرةِ الأخيرة.<br /><br />يوشك الإنسان أن يفقد نفسهُ حزنًا على من فقده.. حينها أدركت الموقف وكأنني كنت في كابوس طويل واستيقظت منه، دائمًا أناديك يا جدي، أناديك بملء حزني وألمي ورجائي، لم أتقبل فكرة موتك، دائمًا أشعر وكأنك ستدخل الى بيتك مرةً أخرى، أنا أنتظرك، جدتي، أمي، خالاتي، بيتك ينتظرك، حين أقول أسمك أو أتذكر قصة عنك، أجهش بالبكاء، آسفة، ربما آلمتك دمعاتي، لكني لم أستطع مرةً الحديث عنك حديثًا منزوع الدمع " مازلت بقلب حفيدتك لم تمت، مازلت أتذكرك بالدعاء، أحبك".<br /><br />ثقيل عليّ الفراق، أمد يديّ لألمس الذكريات فتجرحني رهافة الذكرى، ويرثيه قلبي أسفًا وحزنًا، يخنقني فيض العبارات التي تعج على صدري مثل العاصفة، حين أكتب فيه. لا يذهب ألم الفقد حتى وإن مرت الأيام، جدي.. مُرُّ فراقك لا يمر، ربي أرحم ذلك الوجه الطيب الذي يراودني في كل حين.<br />@19_Aif