<br />في المرحلة المتوسطة والثانوية كنت ولازلت أعشق مادة التاريخ والجغرافيا، واعتقد اعتقادا جازما بأنك إن فهمت الجغرافيا ستفقه التاريخ ففي ظني هما متلازمان تلازم الرمش لجفن العين.<br />في تلك المرحلة ولعي بتلك المادتين بجانب حبي لمعرفة الأماكن وما يميزها من تضاريس وقصص التاريخ وأسراره التي تتكشف غالبا بعد انتهاء حقبته والشخصيات وما يضيفه خيالك من تفاصيل كان لمعلمتي نادية الدامغ ومعلمتي هدى الجندان «رحمها الله» دور في ذاك الولع كبير فسردهما للمعلومة وتبسيطها بأسلوب مميز أضاف سحرا مضاعفا على كلا المادتين كثير.<br />التاريخ وكل أبوابه التي تفتح لك في بلد من بلدان العالم هو كنز ظاهر جميل تبحر في تفاصيله، تفتح القصور والقلاع والمتاحف تاريخها فتسير عبر جغرافيتها لتصل إليها وتقرأ عينك بتمعن ما تمر عليه لتعايشه بكل حواسك فأنت في لحظات تعود لعصورهم وتعيش حياتهم مرتديا أزيائهم متجملا بحليهم ونياشينهم، تطّلع على أفكارهم وتجوب في صالوناتهم تكتفي بإضاءات قناديلهم وتتكشف لك أسرارهم، تقرأ رسائلهم، تتناول الطعام في آنيتهم وتأكل بملاعقهم وتشرب في كؤوسهم وتستريح على مقاعدهم وتغفو على مراتبهم؛ تشعر أنك واحد منهم وتتميز عنهم بأن قلبك ما يزال نابضا في حين توقفت نبضاتهم وسيستمر تاريخيك في عد الأيام في حين توقف تاريخهم وتجاوزت أحداثهم التي شاركتهم تفاصيلها وفهمت سبب انتصاراتهم وهزائمهم، وغالبا تغادر ويغادر معك ممن التقيتهم طيفا تخيره عقلك ليكون رفيق أفكارك لساعات، لأيام أو لسنوات فذاتك لمحت وجه شبه أو نقطة إعجاب كانت ركيزة انجذابك.<br />في زوايا تلك الأماكن تجد نماذج بشرية كثيرة منوعة عديدة، نماذج تبصرك بإعجاز الله في خلقه، فتنوعهم إعجاز واختلاف ملامحهم وطباعهم وأذواقهم إعجاز، اختلاف بصماتهم و حمضهم النووي إعجاز، ناهيك عن اختلاف بنيتهم وأطوالهم وتشابه عمل وظائف أجسادهم التي توقفت كليا بعد أن غادرت أرواحهم الأجساد، كل إعجاز يوصلك لإعجاز لتخرج من الزمان في نفس المكان تسبح الله.<br />*حقيقة<br />غالبا التاريخ نقطة جذب للسياح، لذا لنخلد تفاصيل تاريخنا الثري بأفضل الصور وأجودها.