<br />في عالم المؤسسات الكبيرة والمعقدة، تُعد القيادة الوسطى الحلقة الحيوية التي تربط بين رؤية الإدارة العليا الاستراتيجية ومتطلبات الميدان العملية. فهي جسر توازن دقيق، تتحمل على عاتقها ضغوطاً مزدوجة من جهة التوجهات المستقبلية ومن جهة التحديات اليومية التي تواجه الفرق العاملة على الأرض. ولتفهيم هذا الدور الحيوي، نستعرض قصة حقيقية لمدير وسطي يُدعى «عبدالله»، الذي واجه تحديات مشابهة في إحدى الشركات الكبرى.<br />بدأت حكاية عبدالله عندما طُلب منه من قبل الإدارة العليا تنفيذ مشروع تطويري طموح يتطلب تسريع وتيرة الإنجاز دون توفير الموارد الإضافية اللازمة. في ذات الوقت، كانت فرق الميدان تعاني من نقص المعدات وارتفاع معدلات الإرهاق نتيجة للضغط المستمر. وجد عبدالله نفسه في مفترق طرق؛ فكيف يستطيع الموازنة بين مطالب الإدارة التي تتطلع إلى تحقيق أرباح سريعة وبين احتياجات العاملين الذين يكافحون يومياً في مواجهة التحديات الواقعية؟<br />هذه الحالة المزدوجة لم تكن مجرد أزمة تشغيلية، بل كانت انعكاساً للفجوة التنظيمية التي تعاني منها العديد من المؤسسات.<br />من الناحية العلمية، يشير الباحثون إلى أن القيادة الوسطى تحتاج إلى قدر أكبر من التمكين والمرونة لتكون قادرة على ترجمة الرؤى العليا إلى خطط قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وأن الدعم النفسي والتدريبي للمديرين الوسطيين يعد من العوامل الحاسمة في نجاح استراتيجيات المؤسسات.<br />ففي دراسة نشرت في مجلة - The Leadership Quarterly - عام 2001، تناول كيو إن. هوي، الأبعاد العاطفية للقيادة الوسطى، مؤكدًا أن الذكاء العاطفي والقدرة العاطفية لهذه الفئة الإدارية تُعدان من العوامل الخفية التي تسهم في تحسين أداءهم وتنفيذهم للمبادرات الاستراتيجية بشكل أكثر فاعلية وجد الباحثون أن المؤسسات التي تمنح قادتها الوسطى المزيد من الصلاحيات والتدريب المستمر تشهد انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الفشل في تنفيذ المبادرات الاستراتيجية، إلى جانب تحسين معنويات الفرق العاملة.<br />قصة عبدالله تؤكد هذا الأمر؛ فبعد أن قام بتوجيه إدارة ورش عمل تدريبية مخصصة لقادته وفريقه، تمكن من إعادة هيكلة سير العمل وتوزيع الموارد بطريقة أكثر فعالية، مما أدى إلى تحقيق نتائج إيجابية على كلا الجبهتين.<br />كما أن القيادة الوسطى ليست مجرد ناقل للأوامر، بل هي جسر حيوي لنقل التغذية الراجعة من الميدان إلى الإدارة العليا. فقد لاحظت الإدارة العليا، من خلال تقارير عبدالله الدورية، وجود فجوة بين التوقعات والطموحات والواقع الميداني. وبناءً على ذلك، قامت بإعادة النظر في سياساتها وتعديل بعض القرارات التي كانت تتخذ من دون استشارة كافية من القاعدة التنفيذية. وهكذا، تحولت قصة عبدالله إلى درس مستفاد في ضرورة التواصل الفعال وبناء جسر من الثقة بين جميع مستويات القيادة.<br />لا يمكن إنكار أن الأعباء التي تقع على عاتق القيادة الوسطى قد تؤدي أحياناً إلى تبني مواقف دفاعية، هنا يبرز دور المؤسسات في خلق بيئة عمل تحفز على الإبداع والمشاركة في صنع القرار، بدلاً من مجرد اتباع التعليمات دون تساؤل.<br />في الختام، تؤكد التجربة العلمية والقصص الواقعية أن القيادة الوسطى ليست عدوًا للميدان ولا عبئًا على الإدارة العليا، بل هي العنصر الأساسي الذي يعكس صحة المنظومة بأكملها.<br />@DrLalibrahim<br />