<br />في عالمٍ تضج فيه الكلمات كضجيج مدن مزدحمة، تتسلل عبارات سيئة السمعة إلى حياتنا اليومية وتستقر في عقولنا بلا تفكير ، هذه العبارات ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي أدوات تُشكّل وعينا وتغذي أوهامنا، تُخفي عيوبنا، وتبرر عجزنا عن مواجهة الحقائق، إنها انعكاس لثقافة تتواطأ مع الوهم، وتغلف العجز والتراخي بقشرة منطقية زائفة، تجعلنا نعيش في دوائر مغلقة من الخداع الذاتي. خذ مثلاً مفهوم الطاقة الإيجابية، الذي أصبح شعاراً في عالم التنمية البشرية ويروج له كطريق مختصر للسعادة، لكنه في جوهره ليس أكثر من وهم تسويقي يغذي الكسل الفكري ويبرر التراخي.<br />هي دعوة للهرب من الجهد الحقيقي في مواجهة التحديات، بينما يقدم حلولاً سطحية لا تتجاوز الدعم النفسي المؤقت. حتى مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، نجد برامج وتطبيقات تعد المستخدمين بتحقيق سلام داخلي أو إيجابية دائمة عبر تقنيات موجهة. ومع أن لها فوائد محدودة، إلا أنها غالباً تُكرّس مرض الأتكالية وتعزز فكرة أن السعادة يمكن شراؤها بدلاً من بنائها من الداخل. ثم هناك مفهوم الحاسة السادسة التي تغذي وهم التفرد والتميز. إنها فكرة مغرية، لكنها في الواقع مجرد مصادفات تخضع لنظرية الاحتمالات. قد تبدو بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي وكأنها تمتلك هذه الحاسة، فتتنبأ بسلوكياتنا المستقبلية، لكنها ببساطة تعتمد على تحليل البيانات وفق معادلات رياضية دقيقة. الحاسة السادسة ليست سوى امتداد لرغبة الإنسان في تجاوز حدوده الطبيعية، لكنها تظل أسطورة بلا أساس علمي. أما كلمة النصيب، فهي قناع آخر نستخدمه للهروب من المسؤولية، حين يفشل الإنسان في تحقيق أهدافه، يلجأ إلى النصيب لتبرير عجزه، شماعة يعلق عليه مسؤولية إخفاقاته ، النصيب في هذا السياق ليس سوى انعكاس لحالة من الاستسلام الفكري. لكنه في الحقيقة يُستخدم كذريعة للتهرب من تحليل الخيارات بعقلانية واتخاذ قرارات واعية.<br />الزهد المصطنع، مجرد مراوغة تُخفي وراءها شعوراً داخلياً بالحرج من التمتع بخيرات لا تُشارك الآخرين. ومن بين أكثر العبارات شيوعاً لتجميل العيوب نجد «عيبي أنني صريح» أو «قلبي أبيض» وهذه العبارات ليست سوى محاولات لإضفاء بريق زائف على النقائص، تُظهر رغبة في الاعتراف بالعيوب، لكنها تتجنب مواجهة الذات بصراحة. إنها تُعبر عن صراع داخلي بين الرغبة في الإصلاح والخوف من تداعيات المواجهة. حتى الخرافات العلمية تجد طريقها عبر عبارات مثل «أثبتت التجارب في مختبرات الغرب» وتُستخدم هذه العبارة لتضفي شرعية علمية على أفكار لا أساس لها. لكنها في الحقيقة تُعبر عن أزمة ثقة في الذات الثقافية، حيث يصبح العلم أداة لتبرير الجهل بدلاً من أن يكون وسيلة لاكتشاف الحقيقة. هذه العبارات ليست مجرد كلمات، بل هي قوالب فكرية تُقيد العقل وتُرسخ ثقافة الوهم. لكنها ليست قدراً محتوماً.<br />التمرد على هذه الثقافة يبدأ بفك شيفرة تلك العبارات، وتحليل جذورها وأهدافها. علينا أن نواجهها بنظرة نقدية واعية، ونتجاوزها نحو فهم أعمق للحقيقة.<br />@malarab1<br />