<br />لقد اعتدنا عندما كنا صغاراً أن يُخرج الوالدُ وسوبرمان الأسرةِ صندوقهُ العجيبَ، صندوقُ الأدواتِ أو بما يعرفُ بصندوقِ العدةِ عندما تواجهه مشكلةٌ في المنزلِ كعطلٍ بمقبض الباب، أو عند صيانة الإضاءة السقفية للمنزل، وبقدرِ ما يبدو صندوقُ الأدواتِ مغرياً للصغارِ والكبار، للأطفالِ المشاكسينَ والمهندسين البارعين، فلا قيمةَ له دون معضلةٍ يحُلها ويُصلِحها، ستظلُ تلك الأدواتُ العجيبةُ حبيسةَ ذلك الصندوقِ المغطى بطبقةٍ من الغبارِ، وتمضي الأيام يوماً تلو اليوم، حتى تشرقَ بارقةُ الأمل، ويُفتحُ الصندوقُ العجيب، ليصنعَ بسحرِ أدواتهِ العجائب.<br />هذا الصندوق هو الإنسانُ الذي توقفَ عن إظهارِ مكامنِ قوتهِ، بلْ أوقفَ عمليةَ التعلمِ والتطورِ حتى خفتَ بريقُ وهجِ ضوءهِ، فلم يعدْ يبحثُ عن معضلاتٍ تشحذُ همتهُ، وتصقلُ مهاراتهِ، وكما تعلمون أيها القراء، فإن المياهَ العذبة تفسدُ بركودها، فكذلك هو الإنسان.<br />صحيحٌ أن الإنسان في خرائط تيه هذه الحياة قد يتيه ويتعثرُ، ولكن ماذا لو حولنا تلك العثراتِ لمحطاتِ عبورٍ لا لمحطاتِ توقفٍ ينثرُ الغبارُ فيها فوقَ رؤوسنا؟ وحوّلنا تلك العثراتِ، والصعوباتِ، والمعضلات، لتحدياتٍ تصنعُ الابتكاراتِ والاختراعاتِ الصغيرةَ، والكبيرةَ والمثيرةَ التي نشهقُ فيها بعالي الصوتِ طرباً لعظيم ما نرى أمامنا.<br />هذه الحياة زادُها ما هو إلا عمرٌ يحتسبُ بالساعاتِ والدقائقِ والثوان، وديدنها تحدياتٌ في ملعبِ الحياة، معركةٌ يعادُ تشكيل ُأفرادُ الفرقِ فيها بين الفينةِ والفينة، وتتنوعُ خططُ اللعبِ حسب معطياتِ الأمور، والأوضاع ِ الراهنة.<br />والحَكمُ فيها لا يملك بطاقاتٍ صفراءَ ولا حمراء. ملعبُها ليس مخططاً بخطوط بيضاء مرسومة، ولا الهدفُ واضحٌ ومرئيٌ لهدّاف الفريق أو كابتن الفريق دائماً، ولكن كما يقال فإن لعبَ الكرة فنٌ ومهارة وليست تلك بالتي تأتي دون خطةِ تدريبٍ محكمة، والتزامٍ جبار.<br />فالمعضلاتُ هي أم الابتكاراتِ والاختراعات، بل هي الدافعُ الخفي والأوضح، لتقدم الأممِ عبر العصورِ، كما تُروَى لنا عبر لسان التاريخ، وتُرسم لنا بقلم مخطوطات دهاليز المتاحفِ والأهرامات. وبدون تلك المعضلات لن نتمكن من اختبار أنفسنا، أبنائنا، موظفينا، وشعبنا، ففي عصورٍ ظلماءَ عشتها أوروبا في القرون الوسطى، تمكّن أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي من قياس محيط الأرض دون الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ودون قراءاتِ الأقمار الصناعية، ولا قواعدِ البيانات الضخمة، بل بما يملكهُ من بسيطِ الأدواتِ والقوانين الرياضية ومعادلاتها، متسلحاً بصفاءِ الذهن، ومهاراتِ الفِكر، والتفَكُّر.<br />لهذه المعضلات لهبٌ فتيلُ نارهِ بعدُ النظرْ، وإدْرَاكِ الأسبابِ الحقيقيةِ للمشكلة، ونظرةٌ لعميقِ بحرٍ، النجاةُ فيه بركوبِ سفينةُ الإبصارِ من الزاويةِ الكاملة.<br />bshaleid@