<br />في زوايا حياتي المتقلبة، بين الحرب والسلم، زرت 69 بلداً على مدار ثلاثة عقود في مهنة المتاعب والموت أحياناً، وفي كل تلك الرحلات حيث تتكاثر الوجوه وتقلّ النفوس النقية، ظلّ الصديق السعودي حالة استثنائية لا يمكن تأطيرها في وصف عابر أو اختزالها في كلمات تقليدية.<br />إنه تجسيد حيّ لفكرة الوفاء حين تتنفس، وللشهامة حين تمشي على الأرض، وللطيبة حين تتخذ لنفسها قلباً نابضاً حين تلتقي بصديق سعودي حقيقي، تدرك أن الصداقة ليست مجرد علاقة اجتماعية، بل رابطة روحية تُنسج بخيوط الكرم والأصالة والنخوة.<br />هو ذاك الذي يراك قبل أن تناديه، ويشعر بك قبل أن تشتكي، ويهرع إليك قبل أن تُفكر في طلب العون. لا ينتظر دعوة، ولا يرد الجميل لأنه واجب، بل لأنه نابع من فطرته التي خُلقت على الكرم والبذل والتفاني. الصديق السعودي لا يُقاس بمقدار ما يعطي، بل بطريقة عطائه. فهناك عطاء يبهرك بكميته، وهناك عطاء يسحرك بنبله. وإن كان الناس يُقاسون بأفعالهم، فإن هذا الصديق يُقاس بنيّته قبل فعله، وبتواضعه قبل أي قول. هو ذاك الذي يتحدث قليلاً ويفعل كثيراً، الذي إن وعد وفى، وإن حضر أبهج، وإن غاب اشتاق له المكان قبل الإنسان.<br />ما يميّز الصديق السعودي ليس فقط شهامته، بل ذلك المزج العجيب بين الرزانة والمرح، بين الوقار والودّ، بين الكبرياء الأصيل والبساطة المتواضعة. هو الذي يضحك بروح طفل، ويقف بثبات فارس، ويصبر بصدر رحب، ويحتويك بحنان أب وصدق أخ ودفء صديق. وفي الأوقات العصيبة، حين يخذل البعض ويبتعد البعض الآخر، يُثبت الصديق السعودي معدنه النقي. هو الذي يتحول من صديق إلى سند، من رفيق إلى درع، من شخص عابر إلى ظلّ لا يفارقك. يعينك بصمت، يحميك من خلف الستار، ويرتّب لك الفرج دون أن تعلم حتى أنك في أزمة.<br />ولا يكتفي بذلك، بل يضيف إلى صداقته بعداً إنسانياً فريداً، إذ تجد لديه أصالة الماضي ودفء الحاضر وطموح المستقبل. يحمل بداخله شجرة من القيم المتجذّرة: الوفاء، الإيثار، الصدق، الكرم، والمروءة و الحكمة فحين يمنحك صداقته، يمنحك معها حكاية من نور، وركناً من الطمأنينة، ونكهة من حياة لا تُنسى. حتى في أحاديثه، يتسلل إليك دفء الجنوب، وعذوبة نجد، وصدق الحجاز، وطيبة أهل الشرقية وكرم اهل الشمال، كأنك تحادث كل الجغرافيا السعودية في شخص واحد.<br />يحمل في روحه خريطة وطن، وفي طباعه طيف قبائل، وفي نظرته حكمة أجداد وأحلام أحفاد. وإن كان البعض يبحث عن أصدقاء يشاركونهم النجاح، فإن الصديق السعودي هو من يحتفي بك قبل أن تحتفي بنفسك، ويفرح لك كما لو أن النصر كان له، ويحزن عليك كأن المصيبة وقعت عليه. لا يُجامل، بل يُحب بإخلاص، ولا يتظاهر، بل يُشعر بحضوره حتى في غيابه. ويا لسحر وجوده حين يسندك بكلمة، أو يربّت على ظهرك بنظرة، أو يقف جوارك في صمت أبلغ من كل لغات الأرض.<br />ذلك هو الصديق السعودي، الذي لا يضاهيه أحد في نقاء القلب ولا في قوة الالتزام. لا يتعامل مع الصداقة كمجرد رابطة مؤقتة، بل كعهد لا يُنكث، وميثاق لا يُفرّط فيه، ومكانة لا تهتز مهما تبدلت الأزمنة. إنه باختصار، كنز إنساني نادر، وصورة مشرفة للوطن الذي أنجبه.<br />@malarab1